Мои страницы... Моя жизнь (часть первая)

Наваль Эль Саадави d. 1442 AH
130

Мои страницы... Моя жизнь (часть первая)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Жанры

مرضى خرجوا من المستشفى بالجلاليب البيضاء، تمورجية، ممرضات، أطباء بالمعاطف والسماعات حول العنق، مشايخ بالقفاطين والعمائم البيضاء، قساوسة بالعمائم السوداء وقفطان الكنيسة، المحامون داخل روب المحاماة، القضاة بوشاح القضاء، باعة الأمشاط في الترام، صبيان بذراع واحدة أو بساق واحدة، صبي بلا ساق يسير فوق قطعة خشب لها أربع عجلات، يدفعها من تحته بذراعيه ويمشي في المظاهرة، أصحاب الدكاكين أغلقوها بالأقفال الحديدية وساروا بين الصفوف.

كنت أمشي رافعة ذراعي اليمنى حاملة اللافتة فوق رأسي، الساعة وراء الساعة، أمشي في الحلم رافعة شعلة التحرير، كما أن جان دارك أو زرقاء اليمامة تقود وطنها إلى الحرية، صوت عذب يسري في أذني يشبه الغناء مع الدقات على العود، في بحر المياه الزرقاء الدافئة تحملني الأمواج عاليا ثم تهبط بي في رفق شديد، كذراعي أمي تؤرجحني فوق ركبتيها وتغني: هوه، نامي نينه هوه!

أغمض عيني وأمشي كالنائمة، فجأة سمعت الصوت، فتحت عيني كأنما أصحو من النوم، أهي طلقة رصاص؟! الشمس في عيني أصبحت شعاعا أحمر، احتميت وراء جدار بعيدا عن الضوء، سمعت صوتا يناديني: «يا نوال»، الحلم يختلط بالحقيقة، الضوء يتحول إلى سائل يجري فوق الأسفلت، تحت قدمي رأيت الشريط الأحمر، أتحسس ذراعي وساقي، كل شيء في مكانه، أستطيع أن أمشي وأنقل القدم وراء القدم، الشمس غابت وراء ساحبة من الغبار، ثم انقشع الغبار عن وجه رأيته من قبل كان يقترب مني، يتقدم نحوي بخطوة هادئة واثقة، يرتدي فوق عينيه نظارة شمس، يومض من تحتها ضوء كالابتسامة: يا نوال؟ أهو اسمي؟ كف عرفه من ملايين الأسماء في الكون؟

لم أعرف أين انطلقت الرصاصة، كنت في شارع كبير لا أعرف اسمه، لم أكن أعرف من شوارع القاهرة إلا القليل، كانت المواصلات متوقفة، لا أوتوبيس، لا ترام، لا تاكسي، لا عربة كارو، لا شيء له عجلات يسير على الأرض، فقط الأقدام البشرية التي بدأت تتفرق كما تجمعت بلا صوت بلا هتاف، تفككت الكتل من الناس وابتلعتها الشوارع الجانبية والأزقة: «يا نوال، مفيش غير إننا نرجع ماشيين.»

ينطق اسمي بسهولة غريبة، يقول: «يا نوال»، كأنما يعرفني أو ناداني من قبل، سرت إلى جواره صامتة لا أسمع إلا وقع أقدامنا فوق الأسفلت، حذائي من الجلد الأسود يشبه حذائه، قدمه كبيرة بحجم قدمي، قامته بطول قامتي، يرتدي قميصا أبيض صدره مفتوح، لا ربطة عنق، لا جاكيت، لا بلوفر، خطوته فوق الأرض قوية متحدية، أيكون أحد الفدائيين؟!

رحلة العودة بدت كأنما رحلة داخل الحلم، لم أنتبه إلا حين وجدت نفسي في شارع القصر العيني، توقفت وأنا أقول: «أنا عارفة السكة للكلية من هنا.» كأنما أدركت فجأة أنني أمشي، مد يده وصافحني، يد قوية كبيرة مملوءة بالثقة: «طيب، مع السلامة يا نوال!» مرة أخرى ينطق الاسم «نوال»، الذي أصبح له وقع في أذني كأنما هو اسم غير كل الأسماء، وليس له مثيل بين البشر، أهو حقيقة اسمي أنا؟ وكيف اكتسب هذا الرنين الجديد في الكون؟

أوراقي ... حياتي

سماء زرقاء، شديدة الزرقة، يسمونها هنا في «ديرهام» «كارولينا بلو»، في هذه الولاية الجنوبية على الشاطئ الشرقي للمحيط الأطلنطي في أمريكا الشمالية، تذكرني بسماء مصر ... في قريتي، في طفولتي، وخطواتي الأولى نحو الصبا والشباب في المدينة، طالبة حالمة بكلية الطب، أمشي في المظاهرات، المظاهرة الصامتة بالذات في نوفمبر 1951، حين بدأ قلبي يخفق للحب وأنا في العشرين من العمر، الخفقة القوية تحت الضلوع تذكرني بخفقة الحب الأول وأنا في العاشرة من العمر.

السماء الزرقاء فوق رأسي الأشيب بشعري الأبيض المتناثر تشبه السماء الزرقاء في القاهرة، وأنا أمشي في المظاهرة بشعري الأسود الغزير، وقامتي الفارعة المشدودة، والدماء الفائرة في جسدي، فتاة شابة تتأجج عيناها بالبريق النابع من حلم الطفولة، لم يتغير الحلم منذ كنت في السابعة من العمر، لم ينطفئ، غير قابل للانطفاء حتى نهاية العمر.

الشمس ساطعة كأنما بداية الربيع مع أننا في نهاية الخريف، سماء القاهرة عارية من السحب، لؤلؤ أزرق فوق رأسي وأنا أمشي، مياه النيل تترقرق، فيروز يسيل بين ضفتي النهر، الخضرة تذوب في الزرقة، والعصافير تحتمي بفروع الشجر؛ فهناك ريح شمالية قادمة، شتوية رغم الدفء الناعم بحرارة الجسم.

Неизвестная страница