Мои страницы... Моя жизнь (часть первая)

Наваль Эль Саадави d. 1442 AH
127

Мои страницы... Моя жизнь (часть первая)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Жанры

يضحك الدكتور البطراوي بصوته العالي يملأ المشرحة بجو من المرح، يرمقني بنظرة تشبه نظرة أبي: «براڤو يا بنتي، انتي اللي فيهم، وريني عاملة إيه؟ عال عال! براڤو، لكن واحدة من القوارير دي لازم تساعدك!»

تنكمش الزميلات كالدجاجات فوق مقاعدهن، يغطين أفواههن بأيديهن، ويكركرن بالضحك المكتوم، يضحك الدكتور البطراوي رافعا قدمه فوق المقاعد الخالية: «مش كدة ولا إيه يا ست بطة؟» تتشجع «بطة» وتفتح فمها قائلة: «رفكا بالكوارير يا دكتور!» تتحول ضحكة الدكتور الأستاذ إلى قهقهة عالية، وتتجه عيون الطلبة إلى منضدة الطالبات: «رفكا بالكوارير دي إيه يا بطة هانم، مش عارفة تنطقي حرف «القاف» وتقولي «القوارير»، أمال حتطلعي دكتورة إزاي وتكلمي العيانين الفلاحين، واللا الصعايدة اللي يجولوا الجوارير، ولا إيه رأيك يا دكتور عمرو؟!»

إلى جواره كان الدكتور عمرو «المدرس أو التيوتر»، يقف مشدودا مثل الجندي في حضرة الضابط، ذراعاه معقودتان حول صدره، يهز رأسه موافقا على أي كلمة تخرج من فم الأستاذ ... لكن ما إن يختفي الدكتور البطراوي حتى يفرد الدكتور عمرو ذراعيه وساقيه، يتمشى في المشرحة مثل الطاووس، يقلد الأستاذ في طريقة المشي والكلام، يضحك بصوته العالي ويطلق على الطالبات اسم القوارير، يمتلك سيارة طويلة تشبه سيارة الدكتور الريدي، ليس في رأسه شعرات بيض وليس في إصبعه خاتم زواج أو خطوبة، ترمقه بطة بعينيها السوداوين المكحلتين: «آهه، ده العريس المناسب مش التلبة (الطلبة)، دول شوية العيال، مفيش فيهم إلا «هشام موغو» (مورو)!»

كان زميلنا في المشرحة يجلس إلى المنضدة المجاورة لنا، أبوه مورو باشا، أصبح عميد الكلية، أبيض البشرة، متورد الوجه، طويل، ممشوق، بدلته أنيقة، لا يرتدي معطف المشرحة الأبيض، لا يظهر إلا نادرا، لا يحضر المحاضرات، لا يشترك في المظاهرات، لا يمسك بين أصابعه القلم أو المشرط ... يداه ناعمتان، يحرك بينهما سلسلة ذهبية تتدلى منها مفاتيح السيارة، ما إن تلمحه بطة حتى تشد المشرط من يدي: «كفاية تشريح يا فالحة! فاكرة نفسك حتطلعي الأولى علينا! لا يا عزيزتي! إحنا هنا في كلية الطب، وإذا كان أبوكي العميد أو واحد من الأساتذة الكبار تطلعي الأولى علطول من غير ما تتعبي عينيكي في قراية كانينجهام، ولا توسخي إيدك في الزفت الفورمالين!»

كانت بطة تعرف أشياء لا نعرفها، أحد أقرباء أمها أو أبيها كان أستاذا في الكلية، تطلق عليه اسم «أونكل محمود»، ربما كان ابن عم خالة أمها، لكنها تتحدث عنه كأنه أبوها.

حول منضدة التشريح يدور الحديث بين الزميلات حول شجرة العائلة وفروعها في أقسام الكلية، ثم ينتقل الحديث إلى الخطوبة والزواج، واحدة منهن خطبها أحد المدرسين في الكلية، تفتح حقيبتها وتخرج الشبكة لتفرج عليها البنات، تقرصها بطة في ذراعها أو فخذها: «عشان يبقى الدور الجاي علي أنا، وطبعا جهاز العروسة من بونترمولي (تنطقه بونتغمولي) في شارع سليمان باشا.» وينتقل الحديث من الشبكة إلى جهاز العروس، ثم إلى الأزياء والمودات الحديثة، وماركات السيارات الأخيرة، وأنواع الأحذية والكعوب، ابتداء من الدبابة الخشبية العالية إلى الكعب الرفيع المدبب من الفضة أو الألومونيوم، وأقلام الروج من الأحمر الفاتح (ناتوريل) إلى الأحمر الداكن بلون الدم الأزرق.

كانت صفية أقرب الزميلات إلي، لا تصبغ شفتيها ولا ترتدي الكعب العالي، تشاركني رياضة التنس أو البنج بونج يوم الخميس من كل أسبوع، تجتاز الكوبري الصغير فوق فرع النيل بين القصر العيني القديم والقصر العيني الجديد (مستشفى المنيل الجامعي)، ندخل إلى الفناء الواسع، به أشجار وأحواض زهور، ترتفع الساعة (تشبه ساعة الجامعة في الجيزة) فوق السلالم الرخامية عند مدخل الإدارة، ملاعب الكلية على اليسار تحتل مساحة خضراء كبيرة، يحوطها سور حجري عال، نرتدي الأحذية الكاوتش في غرفة صغيرة، لم تكن التقاليد تسمح للبنات بارتداء الشورت القصير الذي يكشف عن الفخذين، الجونلة البيضاء ذات الكشاكيش أو الشورت الطويل يغطي الركبتين.

كان يشاركنا اللعب الطلبة، منهم زميل لنا في المشرحة اسمه حسين كامل بهاء الدين، شعره أسود ناعم يفرق على جنب، يمشي مطرق الرأس، ينظر إلى الأرض، أطلقت عليه صفية اسم التلميذ المؤدب، لا يتكلم ولا يشارك في المظاهرات أو الاجتماعات السياسية، لكنه أصبح فيما بعد من رجال السياسة مع علي صبري في عهد جمال عبد الناصر، ثم وزيرا للتعليم في عهد مبارك.

زميل آخر لنا اسمه أحمد المنيسي، كان يشاركني الطاولة الخشبية في معمل الكيمياء الحيوية «البيوكميستري»، نتبادل زجاجات الأحماض وأنابيب الاختبار، أصابعه وهو يمسك أنبوبة الاختبار ترتعش قليلا، لا ترتفع عيناه إلى وجهي، ويصعد الدم إلى وجنتيه إذا بادلني الحديث، في يوم سمعته يقول دون أن يحرك رأسه ناحيتي: «يا ترى أقدر أستلف منك كشكول البيوكميستري، عاوز أنقل المحاضرة اللي فاتتني امبارح.»

ناولته الكشكول، في اليوم التالي أعاده إلي، بين أوراقه وجدت الرسالة الصغيرة مطوية، فتحتها وقرأت هذه العبارة الوحيدة: «ستكون صورتك أمامي وأنا أقاتل في سبيل الله والوطن.»

Неизвестная страница