Мои страницы... Моя жизнь (часть первая)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Жанры
أغلب زعماء الطلبة كانوا في السنة النهائية أو الخامسة ... ننظر إليهم ونحن في المشرحة كأنما هم عمالقة، كانت السنة النهائية في الطب تبدو لنا بعيدة أبعد من نجوم السماء، من هؤلاء الطلبة كان هناك اثنان يصدران مجلة اسمها «طلبة القصر العيني»، أحدهما طويل القامة نحيل الجسم اسمه «كمال كشميري»، والثاني قصير مربع اسمه «أحمد يونس» ... يسيران في الفناء معا لا يفترقان، كالتوءمين، يدخلان إلى المشرحة معا، يتجهان إلى منضدة الطالبات حيث أكون: «يا زميلة نوال، عاوزين منك مقال للعدد الجاي أو قصة قصيرة.»
أول مرة أرى حروف اسمي مطبوعة كان في هذه المجلة، حملقت في الحروف السوداء المنقوشة فوق الورق الأبيض ، كأنما هي منقوشة فوق وجه القمر أو قرص الشمس، محفورة بالرصاص في السماء، راسخة في الكون مثل الكواكب والأفلاك.
كلما أرى واحدا من الطلبة ممسكا بالمجلة أتصور أنه لا يقرأ فيها إلا مقالي، كان بعنوان «طلبة الطب كما أراهم»، ضحك أبي كثيرا حين قرأ المقال: «عندك ملاحظة دقيقة يا نوال، ووصفك للتفاصيل مدهش!» كيف وصفت الطلبة؟! لا أذكر، لكن المناخ العام في كلية الطب لم يكن يروقني، أكثر الطلبة من النوع الصمام، يحفظون المحاضرات عن ظهر قلب، يتنافسون في الدخول من باب المدرج، يدوسون على أقدام الزميلات، يحجزون مقاعد الصفوف الأمامية أمام السبورة، ينكفئون فوق الكشاكيل يكتبون كل كلمة تسقط من فم الأستاذ.
في نهاية العام تصبح عيونهم حمراء، تتورم جفونهم، تشحب وجوههم، تتقوس ظهورهم وهم يسرعون من مدرج إلى مدرج، أنفاسهم تلهث، أفواههم مفتوحة، ولا شيء يلوح لهم إلا شبح الامتحان، وصفت أيضا بعض زعماء الطلبة من الأحزاب المختلفة.
كان زعيم الإخوان قصيرا ممتلئ الجسم أبيض البشرة، له رأس مربع يشبه رأس أبي الهول، وصوت جهوري، يقف على المنصة ويلقي خطبة طويلة في عيد الهجرة النبوية، يحكي قصة العنكبوت التي كنت أحكيها وأنا تلميذة في حلوان الثانوية، يضرب بقبضة يده على منضدة المنصة، يحرك ذراعيه في الهواء، يسبل جفونه، يبربش، يبلل شفته السفلى بطرف لسانه، يرفع عينيه نحو السقف، يتسرب الطلبة من المدرج دون أن يشعر بهم، يواصل الخطبة دون أن يسمعه أحد كأنما يكلم نفسه أو يخاطب السماء.
زعيم الوفديين كان طويلا نحيفا مقوس الظهر أسمر الوجه ... يقفز فوق المنصة، يخطف الميكرفون من الزعماء الآخرين ويهتف بصوت عال: «يحيا النحاس باشا.» لا أحد يرد عليه ... ينسحب أحد الطلبة من لسانه: «مش عاوزين هتاف وخطب، عاوزين كلام يدخل العقل.»
يتقدم نحو المنصة زعيم الطلبة في الحزب الوطني، طبيب امتياز يرتدي بدلة أنيقة، طويل ممشوق مرفوع الظهر، يمشي فوق المنصة كالطاووس ... يمسك الميكرفون بيد واحدة ... وفجأة يدوي صوته الجهوري في المدرج ... كان اسمه فؤاد محي الدين، أصبح رئيسا للوزارة في عهد السادات، ثم مات فجأة منكفئا فوق وجهه في مكتبه. يتبعه في إلقاء الخطب زميل له اسمه إبراهيم الشبيني، قامته أقل طولا، بدلته أقل أناقة، لكن صوته ليس أقل ارتفاعا، تعرفت عليه أكثر حين جمعنا مكتب واحد في وزارة الصحة.
إحدى المجلات في الكلية كان اسمها «الجميع»، كان يصدرها طالب في نهائي طب معروف بأنه شيوعي، يمشي في الفناء بخطوة واسعة سريعة، رأسه منكفئ قليلا إلى الأمام كأنما ينطح أحدا، يحرك ذراعيه بقوة في الهواء، يدخل إلى المشرحة ويتجه مباشرة إلى منضدة الطالبات، يتكلم بلغة عربية فصحى ويضغط على مخارج الألفاظ: «يا زميلة يا نوال، أنا أجمع كفاءات الكلية في مجلة «الجميع»، وأريد منك قصة أو مقالا عن المظاهرة الأخيرة، أنا اسمي يوسف.»
رن اسمه في أذن الزميلات يسري، ربما ضاع حرف الفاء الأخير من كلمة يوسف في الضجة خارج المشرحة، كانت هناك مظاهرة تتجمع في الفناء، لم تكن المظاهرات تكف منذ إلغاء المعاهدة في أكتوبر 1951م حتى حريق القاهرة في يناير 1952م.
لم تكن زميلاتي يشتركن معي في المظاهرات، يشعرون بالنفور من كلمة السياسة والأحزاب، أكثر ما يفزعهن هو دخول ذلك الشيوعي إلى المشرحة واقترابه من منضدتنا، ما إن يرونه حتى يهتفن في نفس واحد: يسري الشيوعي جاي أهوه يا نوال! يا دي المصيبة! وتنتفض صفية فوق مقعدها، تذكر أخاها الأكبر: «اسمعي يا نوال، مش عاوزين شبهة هنا كمان، أنا مش ناقصة مشاكل.» وتقول «بطة» وهي تمط شفتيها باشمئزاز: «وكمان له تبريئة كأنه قاتل واحدة.» وتنفجر الزميلات في الضحك: «صحيح والله، عليه بصة مخيفة زي أتال الأتلا .»
Неизвестная страница