أيمكنني أن أنزل هذه الصورة الفاتنة من مكانها، وقد أرادت المقادير أن تزخرف بها غرفة الأحلام في نفسي فجعلتها في صدرها؛ لأنها من زينة الله التي أخرجها لي، ولم يجتمع ما أحبه من الجمال في امرأة إلا فيها؟
وهل على الحب خيار؟ أم هو الجمال الأزلي يستعلن لكل إنسان بالوسيلة التي توافق مزاجه، وتلائم تركيب نفسه على قدر ما يلائمه وعلى أحسن ما يلائمه، فأتى الحب متخذا من الشكل المحبوب وسيلته فلا يكون أكمل ولا أجمل عند كل عاشق من معشوقه؛ إذ هو ليس إلا الصورة التي تتراءى فيها خصائص الجمال العلوي للخصائص التي في روح العاشق وطباعه فتتصل بها من الجهة التي تنفذ منها إلى خالصة قلبه، وداخلة روحه.
6 •••
أنا لن أبغضها إلا أن تسيء إلي أكبر من إساءة دلالها، بل إساءة تضعها في دمي، دمي الحر الجياش المتحدر إلي من أقصى تاريخ المكارم.
إني لمن أولئك الذين يعرفون أن لهم عروقا سماوية في أرواحهم تتضرم بالشعاع القدسي الذي كان يوما في بعض أجدادهم. إما نبوة نبي، وإما خلافة خليفة، وإما ملك ملك.
وفي مذهبي أنه إذا اجتمع الأذى والحب في قلب، وجب أن ينصرف الحب مطرودا مدحورا، وليس من ذلك بد، ولكن، بالله! أين منها الأذى الممض المؤلم الذي يطرد الحب، ويجعلني أبغضها بدمي كما أحببتها بدمي؟
إن هي إلا هذه الإساءة المبتسمة، إساءة الدلال التي تغضب لتجدد الرضا؛ وتبعد لتؤتي القرب معنى غير معناه القديم، وتؤلم لتحدث اللذة الحادة التي يمزاجها الطرب، وترسل الوحشة إلى القلب كأنها سفير سياسي يمضي بأسلوب الحرب ليرجع بأسلوب السلم، وتأتي من كل ذلك ما هي آتية لتجمع عليك من سحر الزمان الذي يهدد الحب، ومع قوة الحسن قوة الرغبة في لذة الحسن، ومع ثورة القلب عليها ثورة الفكر على القلب وعليها!
ليت شعري، أتقوم العاصفة الهوجاء من خطرات مروحة الحبيبة؟ ويقع الزلزال المدمر من رجرجة منديلها في يدها؟ لا أدري ولكن ربما! ربما!
إن لكل حبيبة خيالا ساحرا كأنه خارج من قوى الكون كله لا من قواها الضعيفة، فما تلمس من شيء إلا سحر به على عين محبها فحوله فيما شاء الهوى من صور الخيال المعقولة والمستبعدة، والممكنة والمستحيلة!
وكل حبيبة وصاحبها كالوثن وعابده: في أحدهما الحقائق كلها ما دام في الآخر الوهم كله!
Неизвестная страница