فقال الشاعر بقلق: قد نجد بيننا فجأة قدرة أو غيره من الشياطين!
فقال دعبس بحدة: كلهم ذرية إدريس!
فقال الشاعر بصوت خافت: حلمك يا عم دعبس قبل أن تهدم القهوة فوق رءوسنا.
فنهض دعبس من مجلسه وقطع القهوة في خطوات واسعة ثم جلس إلى يمين حمدان على أريكة وهم بالكلام، ولكن ضجة غلمان علت بغتة حتى غطت على صوته، وانتشروا أمام القهوة كالجراد وهم يتبادلون السباب، فصرخ فيهم دعبس: يا أولاد الشياطين أليس لكم جحور تؤويكم في الليل؟
لكنهم لم يبالوا بصراخه فوثب كالملدوغ وانقض عليهم، فجروا في الحارة وهم يصيحون: «هيه!» وترامى أكثر من صوت نسائي من نوافذ الربع المواجه للقهوة: «وحد الله يا عم دعبس»، «خوفت الأولاد يا رجل». فلوح بيده ساخطا وعاد إلى مجلسه وهو يقول: الواحد حيران، لا عند الأولاد راحة ولا عند الفتوات راحة ولا عند الناظر راحة.
أمن كل على قوله. آل حمدان ضاع حقهم في الوقف، آل حمدان تمرغوا في تراب القذارة والبؤس. آل حمدان تسلط عليهم فتوة ليس منهم بل من أحط الأحياء. قدرة يسير بينهم مختالا يصفع من يشاء ويأخذ الإتاوة ممن يشاء؛ لذلك نفد صبر آل حمدان واصطخبت في حيهم أمواج التمرد.
والتفت دعبس إلى حمدان وقال: يا حمدان، الجميع على رأي واحد، نحن آل حمدان، عددنا كبير، أصلنا معروف، وحقنا في الوقف كحق الناظر نفسه.
فغمغم الشاعر: اللهم فوت الليلة على خير.
حمدان حبك العباءة حوله ورفع حاجبيه المثلثين الغزيرين وقال: قلنا في هذا وعدنا، سيحدث أمر، إني أشم الأحداث شما.
وارتفع صوت علي فوانيس بالتحية وهو يدخل القهوة مشمرا الجلباب وطاقيته الترابية مائلة حتى حاجبيه، وما لبث أن قال: الكل مستعدون، ولو احتاج الأمر إلى نقود سيعطون، حتى الشحاذون.
Неизвестная страница