واحد قتله الهوى، والتاني خدوه الأحباب.
امتلأت عينا أدهم بالدموع. هذا الشر الذي لا يصد عن اللهو. يقاتل ويقتل ويحظى بكل احترام. يقسو ويستبد هازئا بالعواقب وله ضحكة تجلجل فتملأ الآفاق. له لذة في العبث بالضعفاء ويسمر في المآتم ويغني فوق شواهد القبور. الموت يدنو مني وهو ما زال يضحك ساخرا. القتيل في التراب والقاتل ضائع، وفي كوخي بكاء على الاثنين. ضحكة الطفولة في الحديقة استحالت مع الأيام عبوسة غارقة في الدمع. وفي الداخل بقية جسدي يتوجع. لماذا هذا العناء كله؟ وأين صفو الأحلام؟ أين؟
وخيل إلى أدهم أنه يسمع وقع أقدام؛ أقدام بطيئة وثقيلة استثارت ذكريات غامضة كرائحة زكية مؤثرة تستعصي على الإدراك والتحديد. حول وجهه نحو مدخل الكوخ فرأى الباب يفتح، ثم رآه يمتلئ بشيء كجسم هائل. حملق في دهش، وأحد بصره في أمل يكتنفه يأس، وندت عنه آهة عميقة، وغمغم متسائلا: أبي؟!
وخيل إليه أنه يسمع الصوت القديم وهو يقول: مساء الخير يا أدهم.
فاغرورقت عيناه، وهم بالقيام فلم يستطع، ووجد غبطة وبهجة لم يجدهما منذ أكثر من عشرين عاما. وقال بصوت متهدج: دعني أصدق.
فقال: أنت تبكي وأنت الذي أخطأت.
فقال أدهم بصوت يشرق بالدمع: الخطأ كثير والعقاب كثير، ولكن حتى الحشرات المؤذية لا تيئس من العثور على ظل. - هكذا تعلمني الحكمة. - عفوا عفوا، الحزن أرهقني، والمرض ركبني، حتى أغنامي مهددة بالهلاك. - جميل أن تخاف على أغنامك.
تساءل أدهم في رجاء: هل عفوت عني؟
أجاب بعد صمت: نعم.
فهتف أدهم بجسم مرتعش: الشكر لله، منذ قليل كنت أقرع قاع هاوية اليأس بيدي. - فعثرت علي فيها؟ - نعم كالصحو بعد الكابوس. - لذلك فأنت ولد طيب.
Неизвестная страница