Дети нашего квартала

Наджиб Махфуз d. 1427 AH
206

Дети нашего квартала

أولاد حارتنا

Жанры

فتساءل يحيى في استياء: إذن فأنت تفضل جبل على رفاعة؟

فامتلأت العينان السوداوان بالحيرة، وتردد طويلا، ثم قال: كلاهما كان رجلا طيبا، وما أقل الطيبين في حارتنا! أدهم وهمام وجبل ورفاعة، أولئك هم كل حظنا من الطيبة، أما الفتوات فما أكثرهم!

فقال يحيى في أسى: وأدهم مات كمدا، وهمام قتل، ورفاعة قتل!

أولئك هم الطيبون حقا من أهل الحارة. سيرة عطرة ونهاية مؤسفة. هكذا كان يناجي نفسه وهو جالس في ظل الصخرة الكبيرة. وانبعثت من صدره رغبة حارة في أن يكون مثلهم. أما الفتوات فما أقبح فعالهم. وداخله حزن غامض وساوره قلق. وقال لنفسه ليهدهد خاطره: كم شهدت هذه الصخرة من أحداث وأناس، كغرام قدري وهند، ومقتل همام، ولقاء جبل والجبلاوي، وحديث رفاعة وجده، ولكن أين الأحداث؟ وأين الأناس؟ إن الذكرى الطيبة تبقى وهي أثمن من قطعان المعز والضأن! وشهدت أيضا جدنا العظيم وهو يجوب هذه الآفاق وحده، يمتلك ما يشاء ويرهب الأشقياء. ترى كيف حاله في عزلته؟

هل ما زال يعقل أم خرف؟ وهل يذهب ويجيء أم أقعده الكبر؟ وهل يدري بما يقع حوله أم عن كل شيء ذهل؟ وهل يذكر أحفاده أم نسي نفسه؟

وعند الأصيل نهض ثم تمطى متثائبا. وتناول عصاه وهو يصفر صفيرا منغما، ثم لوح بعصاه ونعق بالغنم فمضت تتجمع وتتحرك قافلتها نحو العمران. وبدأ يشعر بالجوع ولم يكن تناول في نهاره إلا سردينة ورغيفا، ولكن عشاء طيبا ينتظره في بيت عمه. وحث السير حتى بدا له أول ما بدا من بعيد البيت الكبير بأسواره العالية ونوافذه المغلقة ورءوس أشجاره. ترى ما شكل الحديقة التي يتغنى بها الشعراء والتي مات أدهم حسرة عليها؟ ولدى اقترابه من الحارة ترامت إلى مسامعه الضوضاء. ومضى بحذاء السور الكبير إلى الداخل والمغيب يضفي على الجو سمرته. وشق طريقه بين جماعات من الغلمان يلعبون ويتقاذفون بالطين، وملأت أذنيه نداءات الباعة وأحاديث النساء وسخريات الساخرين وشتائمهم، واستغاثات المجذوبين وجرس عربة الناظر، على حين أفعم أنفه برائحة المعسل النافذة، والزبالة العطنة، والتقلية المثيرة. وعرج إلى الربوع بحي آل جبل يعيد إليها أغنامها، كذلك فعل بحي آل رفاعة، فلم يبق لديه إلا نعجة واحدة، تملكها ست قمر، السيدة الوحيدة التي تملك مالا في حي الجرابيع. وكانت تقيم في بيت مكون من دور واحد ذي حوش متوسط تتوسطه نخلة وفي ركنه الأقصى شجرة جوافة. ودخل الحوش سائقا أمامه «نعمة»، فصادف في طريقه الجارية سكينة بشعرها المفلفل الذي وخطه المشيب، فحياها فردت تحيته بابتسامة وسألته بصوت نحاسي: كيف حال نعمة؟

فأعرب لها عن إعجابه بالنعجة، وتركها لها، ومضى في سبيله، وإذا بصاحبة البيت والنعجة تدخل الحوش عائدة من الحارة. بدت أمامه في ملاءة لف حوت جسمها المليء، وطالعته من برقعها عينان سوداوان ينديان بالحنان. تنحى جانبا وهو يغض بصره فقالت له برقة مهذبة: مساء الخير. - مساء الخير يا ستي.

وتمهلت المرأة في سيرها وهي تتفحص نعمة، ثم نظرت نحوه، وقالت: نعمة تسمن يوما بعد يوم والفضل لك!

فقال متأثرا من نظرتها الحنونة قبل كلماتها الطيبة: الفضل للمولى ولرعايتك.

والتفتت ست قمر نحو سكينة وقالت: أحضري له عشاء!

Неизвестная страница