فأدنى إدريس رأسه من أخيه كأنما يخشى أن تسمعه الجدران وقال: أريد أن أطمئن على مستقبلي بعد أن خسرت حاضري. سأكون أبا مثلك، فما مصير ذريتي؟ - ستجدني رهن إشارتك في كل ما أستطيع ...
فربت إدريس كتف أدهم بامتنان وقال: أريد أن أعرف هل حرمني أبي حقي في الميراث؟ - كيف لي بمعرفة هذا؟! ولكن إن سألتني عن رأيي ...
فقاطعه إدريس قلقا: إني لا أسألك عن رأيك ولكن عن رأي أبيك ... - إنه كما تعلم لا يصارح أحدا بما يدور في رأسه ... - ولكنه دون شك قد سجله في حجة الوقف!
فهز أدهم رأسه دون أن ينبس، فعاد إدريس يقول: كل شيء في الحجة ... - لا علم لي بها، وأنت تعلم أن أحدا في بيتنا لا يدرى عنها شيئا، وعملي في الإدارة يسير تحت إشراف أبي الكامل.
فحدجه إدريس بنظرة حزينة وقال: الحجة في مجلد ضخم، وقد لمحته مرة في صباي وسألت أبي عما فيه - وكنت وقتذاك قرة عينه - فقال لي إنه يضم كل شيء عنا، ولم نعد إلى الحديث عنه، ولم يسمح لي بذلك حين بدا لي أن أسأل عن بعض ما جاء فيه، ولا أشك الآن في أن مصيري قد تقرر فيه.
فقال أدهم وهو يشعر بأنه ينحصر في ركن ضيق: الله أعلم. - إنه في الخلوة المتصلة بمخدع أبيك، ولا شك في أنك رأيت بابها الصغير في نهاية الجدار الأيسر. وهو باب مغلق دائما، لكن مفتاحه مودع في صندوق فضي صغير في درج الخوان القريب من الفراش، أما المجلد الضخم فعلى ترابيزة في الخلوة الضيقة.
فرفع أدهم حاجبيه الخفيفين في انزعاج وتمتم: ماذا تريد؟
فقال إدريس متنهدا: إن كان ثمة راحة بال باقية لي في هذه الدنيا فهي رهن بمعرفتي ما سجل في الحجة عني.
فقال أدهم في ارتياع: أهون علي أن أسأله عما في الشروط العشرة صراحة! - لن يجيب، وسيغضب، وربما أساء بك الظن، أو خمن الدافع الحقيقي وراء سؤالك فثار سخطه، وكم أكره أن تخسر ثقة أبيك جزاء إحسانك إلي! وهو لا شك لا يريد أن يذيع شروطه العشرة، ولو أراد ذلك لعرفناها جميعا، فلا سبيل مأمونا إلى الحجة إلا السبيل الذي وصفته لك، وهو ميسور جدا عند الفجر حين يتجول أبوك في الحديقة ...
فامتقع وجه أدهم وهو يقول: ما أفظع ما تدعوني إليه يا أخي!
Неизвестная страница