55
وقف بيومي فتوة الحارة وراء باب حديقته الخلفي الذي يفتح على الخلاء. كان الليل في أوله وكان الرجل ينتظر وهو يتنصت. وعندما طرق أصبع الباب بخفة فتح الباب؛ فتسللت إلى داخل الحديقة امرأة كأنها بملاءتها ونقابها قطعة من الليل. تناول يديها وسار بها في مماشي الحديقة متجنبا الاقتراب من البيت حتى بلغ المنظرة فدفع الباب ودخل، وهي في أثره. وأشعل شمعة فأقامها على حافة نافذة، فبدت المنظرة في شبه مغيب، والكنبات مصطفة بأضلعها، وفي الوسط صينية كبيرة محملة بالجوزة ولوازمها في دائرة من الشلت. ونزعت المرأة عنها ملاءتها والنقاب ، فضمها بيومي إليه بقوة نفذت إلى عظامها حتى رمقته بنظرة استرحام. وتخلصت منه برشاقة فضحك ضحكة خافتة وجلس على شلتة. وراح يعبث بأصبعه في رماد المجمرة حتى تكشف عن جمر يومض. وجلست إلى جانبه وقبلت أذنه ثم أشارت إلى المجمرة وهي تقول: كدت أنسى رائحته.
فراح يمطر خدها وعنقها بالقبل، ثم قال وهو يرمي قطعة في حجرها: هذا الصنف لا يدخنه في حارتنا إلا الناظر والعبد لله!
وترامى من الحارة صوت معركة تحتدم، سب وارتطام عصي، وتحطم زجاج، ووقع أقدام جارية، وصوات امرأة، ثم نباح كلب .. ولاح تساؤل منزعج في عيني المرأة، ولكن الرجل راح يقطع الصنف في غير مبالاة، فقالت المرأة: كم يشق علي المجيء! فلكي آمن العيون أسير من الحارة إلى الجمالية، ومن الجمالية إلى الدراسة، ومن الدراسة إلى الخلاء حتى بابك الخلفي.
فمال نحوها دون أن تكف أصابعه عن العمل وتشمم إبطها في تلذذ وقال: لن أبالي أن أزورك في بيتك.
فابتسمت قائلة: لو فعلت ما تعرض لك أحد من الجبناء، حتى بطيخة سيفرش لك الرمل، ثم يصبون غضبهم علي وحدي.
وعبثت بشاربه الغليظ وقالت في دعابة: لكنك تسللت إلى المنظرة في بيتك خوفا من زوجتك.
فترك القطعة وطوقها بذراعه فضمها إليه بعنف حتى أنت، ثم همست: اللهم احفظنا من عشق الفتوات!
فأطلقها وهو يرفع رأسه ويبرز صدره كالديك الرومي وقال: لا يوجد إلا فتوة واحد، أما الآخرون فصبيانه.
فلاعبت شعر صدره المحسور عنه طوق جلبابه وقالت: فتوة على الناس لا علي أنا.
Неизвестная страница