وأخذ يدها في يده، وأسند رأسه إلى جذع النخلة مرسلا طرفه إلى الغصون، وإلى السماء خلال الغصون، وعادت هي تؤكد له حبها للحديقة، وكلما أمعن في الصمت أمعنت في التوكيد؛ إذ إنها كانت تكره الصمت بقدر ما تحب الحديقة، وكان حديث حياتها أطيب حديث. ولا بأس بالوقوف بعض الوقت عند أهم الأحداث في البيت الكبير، وبخاصة ما يتعلق بزوجات رضوان وعباس وجليل، ثم تغير صوتها مائلا نحو العتاب وهي تقول: أنت تغيب عني يا أدهم ...!
فابتسم إليها قائلا: كيف وأنت ملء القلب؟! - ولكنك لا تصغي إلي ...!
هذا حق. ومع أنه لم يرحب بمقدمها فإنه لم يضق به. ولو همت بالرجوع لأمسك بها صادقا. والحق أنه يشعر بأنها جزء لا يتجزأ منه. وقال كالمعتذر: إني أحب هذه الحديقة، لم يكن في حياتي الماضية أطيب من جلستها، وتكاد أشجارها الباسقة ومياهها المفضضة وعصافيرها المزقزقة تعرفني كما أعرفها، وأود أن تقاسميني حبها. أرأيت إلى السماء كيف تبدو خلال الغصون؟
فرفعت عينيها مقدار لحظة ثم نظرت إليه باسمة وقالت: إنها جميلة حقا، وجديرة بأن تكون أطيب ما في حياتك.
فآنس من قولها العتاب دون إفصاح، وبادرها قائلا: بل كانت كذلك قبل أن أعرفك ... - والآن؟
فضغط على يدها بحنو قائلا: لا يتم جمالها إلا بك!
فقالت وهي تحد بصرها نحوه: من حسن الحظ أنها لا تؤاخذك على انصرافك عنها إلي ...
فضحك أدهم وجذبها نحوه حتى التصق خدها بشفتيه، ثم سألها: أليست هذه الأزهار أجدر بالتفاتنا من الكلام عن زوجات إخوتي؟!
فقالت أميمة باهتمام: الأزهار أجمل، ولكن زوجات إخوتك لا يكففن عن الحديث عنك .. إدارة الوقف، دائما إدارة الوقف، وثقة أبيك فيك، يبدئن ويعدن في هذا ...
وقطب أدهم غائبا عن الحديقة، وقال بحدة: لا شيء ينقصهن! - الحق أني أخاف عليك العين!
Неизвестная страница