فارتاع دعبس مليا، ثم وقف فجأة وغادر المكان.
وقف جبل في حوش النصر في جمع من رجال آل حمدان، والغضب يتفجر من عينيه وشدقيه، وجلس كعبلها القرفصاء وقد شد على عينه رباطا محكما، على حين وقف دعبس يتلقى ثورة جبل في صمت وخذلان. وأراد حمدان أن يهدئ من ثورة جبل، فقال بلين: سيرد دعبس النقود إلى كعبلها.
فصاح جبل بأعلى صوته: فليرد إليه بصره أولا.
فبكى كعبلها وقال الشاعر رضوان متأوها: ليت في الإمكان رد البصر.
فقال جبل وقد أظلم وجهه كالسماء الراعدة البارقة: ولكن في الإمكان أن تؤخذ عين بعين!
وحملق دعبس في وجه جبل متوجسا، وأعطى حمدان النقود وهو يقول: كنت فاقد العقل من الغضب، وما قصدت إيذاءه.
فتفرس جبل في وجهه بحنق طويلا، ثم قال بصوت رهيب: عين بعين والبادئ أظلم.
تبودلت نظرات الحيرة. لم ير جبل أغضب منه اليوم. وقد برهنت الأحداث على قوة غضبه، كغضبته يوم ركل بيت النعيم، وكغضبته يوم قتل قدرة. حقا إنه لشديد الغضب، وإذا غضب لم يردعه عن هدفه رادع. وهم حمدان بالكلام ولكنه بادره قائلا: إن الواقف لم يؤثركم بحبه ليعتدي بعضكم على بعض، فإما حياة تقوم على النظام، وإما فوضى لن تبقي منكم على أحد؛ لذلك أصر على تصفية عينك يا دعبس.
وركب الرعب دعبس فصاح: لن تمسني يد ولو قاتلتكم جميعا.
فانقض عليه جبل كالثور الهائج وضربه بجماع يده في وجهه ضربة هائلة سقط على أثرها دون حراك. وأقامه وهو فاقد الوعي، واحتضنه من الخلف شادا ذراعيه حول جسمه، والتفت نحو كعبلها قائلا بلهجة آمرة: قم فخذ حقك.
Неизвестная страница