Августин: Очень краткое введение
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
سلم أوغسطينوس بأن المصطفين لا يستطيعون الجزم أبدا إن كانوا مصطفين حقا أم لا ما لم يكن ذلك بالاصطفاء الخاص استثناء، وأصر على وجهة نظره هذه. فمن الممكن أن يكون هناك اختبار تجريبي وحيد للاصطفاء، وأن يكون هذا الاختبار ضروريا لكنه ليس كافيا؛ ألا وهو المثابرة حتى النفس الأخير والموت في حالة من النعمة. لكن الرب وحده يعرف من هم أصفياؤه؛ فالمثابرة هبة غير مستحقة للنعمة، وكذلك أيضا الالتجاء الإرادي للرب إيمانا وتوبة.
سرعان ما أثارت مذاهب أوغسطينوس نقدا بين الرهبان في شمال أفريقيا ولا سيما جنوبي بلاد الغال في مارسيليا وليران. وتلقى دعما مؤزرا من إقليم آكيتين الفرنسي (على مدار عدة قرون، أثيرت نسبة كبيرة جدا من الخلافات والجدل حول مذهب أوغسطينوس المتعلق بالقضاء والقدر على الأراضي الفرنسية).
استند نقاد أوغسطينوس إلى الحقيقة الواضحة التي مفادها أن مذهب القضاء والقدر خاصته يحتكم إلى انتقائه الجزئي لنصوص في الكتاب المقدس، واضطراره إلى تطويع النصوص الأخرى التي لم تطابق أطروحته عنوة. ودعت الحاجة إلى تفسير النص المستخلص من العهد الجديد القائل إن «الرب يريد للجميع النجاة» بحيث يعني أن المصطفين يتضمنون ممثلي كل عرق من أعراق البشرية (حول التعنيف والنعمة الإلهية
De correptione et gratia ). ويمكن اختزال حجة النقاد ضده تقريبا في التهمة البشعة التي مفادها أنه (بشكل فيه تضارب) ضل في عالم «الفضول»؛ حيث زعم أنه يستفسر عن مسائل متعلقة بالرب التي يميط الرب اللثام عنها، وتتجاوز المعرفة البشرية. ولكن، فيما وراء المخاوف كان هناك الخوف المنطقي من أن يولد المذهب الأوغسطيني لامبالاة أخلاقية. ولقد دعم كثير من نقاده جنوبي بلاد الغال معارضته لبيلاجيوس وجوليان، لكنهم شعروا بالحرج من الحجج التي ساقها.
ناصر البعض المذاهب الأوغسطينية السامية المتعلقة بالاصطفاء بين الحين والآخر في التاريخ المسيحي؛ حيث دعمها جوتشالك في القرن التاسع وجون كالفين في القرن السادس عشر وجانسينيوس في القرن السابع عشر. ودائما ما حرض هؤلاء على المعارضة التي سعت لتفادي البديل البيلاجي، لكنها في الوقت نفسه حفظت حرية الإرادة والمسئولية البشرية. وقد يمثل حكم أوغسطينوس الشخصي على النقاش المتعلق بالنعمة الإلهية والإرادة الحرة في كتاب خطه للقديس سيمبليكيوس أسقف ميلانو؛ موجزا للمشكلة من منظور معارضيه، المناوئين لبيلاجيوس أنفسهم، وبحسب رؤيتهم للمسألة: «في محاولة حل هذه المعضلة، بذلت جهودا مضنية على حساب الحفاظ على حرية اختيار الإرادة البشرية، لكن النعمة الإلهية غلبتني» (المراجعات).
أمسى أوغسطينوس يتمتع بأثر واسع النطاق خلال حياته نتيجة كتاباته التي انتشرت وشاعت حيثما كانت اللاتينية لغة مقروءة. وجرى العرف أن خاطبه مراسلون لا يعرفهم طالبين إليه حل الألغاز التي تواجههم أو آملين (عادة عبثا) أن يقبل جهودهم اللاتينية الخاصة. حتى القديس جيروم أرسل إليه في العام الأخير من حياته رسالة كلها ثناء وإطراء من بيت لحم يخبره فيها أنه «أعاد بكتبه فعليا إرساء قواعد العقيدة القديمة»، وأن الهجمات الحاقدة التي شنها المهرطقون عليه دليل كاف على إنجازه (الرسائل). وكان أوغسطينوس محرجا دوما من معاملته بوصفه «مرجعا وحجة» من منطلق أن أحدا لا يتوقع منه تقديم حجج على ما يدعيه. فالكتاب المقدس، وحيثما سكت هذا الكتاب عن شيء أو كان ملغزا، والإجماع المسكوني فحسب كان لهما مثل هذه السلطة لدى المؤمنين. علاوة على ذلك، كان النموذج المثالي بالنسبة إليه يتمثل في مواصلة تصحيح وتحسين فهمه إلى يوم الممات. لم يكن أوغسطينوس عموما رجلا يدافع عن موقف لمجرد أنه سبق أن تبناه من قبل فحسب؛ فقد كان أسلوب تعاطيه مع نقاده عادة ينطوي على بيان الصعوبات في موقفهم واقتراح أنه يفضل أن يعيش متبنيا موقفه الشخصي. وكانت أعماله دوما تعكس الاستقلال النقدي لعقله، وربما كان موطن قوته هو قدرته النادرة على الوصول إلى لب مسألة معقدة. ودون أن يكون فيلسوفا فنيا من وجهة النظر المهنية، كان عقله مجهزا، وتظل كتاباته ذات أهمية كبيرة لأصحاب الفكر الفلسفي المعنيين بالتقليد الأفلاطوني. ولقد توغلت الكثير من أعمال أفلوطين في دمه، لكنه استمر أستاذا بارزا من أساتذة الخطابة الإقناعية. ورغم تحوله من الخطابة إلى الفلسفة في عام 386، كان أثر الترسيم عليه بعدها بخمس سنوات أن أعاده إلى موقف أمست فيه الخطابة مهمة بالنسبة إليه، وقد سيطر عليه إيمان جديد بأنه ليس نصيرا لمصلحة بشرية ما وحسب، بل ومدافع عن حقيقة الرب نفسها. ولم يغادره قط افتتانه بالكلمات.
كتب إدوارد جيبون بازدراء عن أوغسطينوس قائلا: «معرفته مستعارة إلى حد كبير، وحججه أغلب الظن خاصة به.» لكن أي باحث معاصر من شأنه أن يزيل هذا الازدراء ويعكس الحكم الذي أصدره جيبون عليه؛ فقد علم أوغسطينوس نفسه بنفسه إلى حد كبير، وكانت بين يديه مكتبة كبيرة تزخر بالكتب الكلاسيكية والأدب المسيحي (ومن ذلك أعمال لعلماء لاهوت يونانيين)، وكان ذهنه حافلا بالأدب الكلاسيكي، وكان يعرف كيف يستغل كتبه. أما بالنسبة إلى حججه، فكثير منها مستعار في حقيقة الأمر، ولا سيما من فرفوريوس وشيشرون الذي لم يستطع أن ينسى قط محاورته «هورتنسيوس». ولم تعن استعارته من الأفلاطونيين الجدد أن دينه لم يكن ممتزجا بتحليل نقدي.
لقد أوضح ازدراء جيبون لأوغسطينوس العداء العام الموجه نحو السمة الأوغسطينية من جانب التنوير في القرن الثامن عشر. كانت هناك أسباب لهذا العداء؛ فالمشاحنات المريرة ما بين معسكر الإصلاح والمعسكر المناوئ له، التي أسفرت عن حروب طويلة ألحقت أضرارا جسيمة، كانت في الأساس عبارة عن خلافات على تفاسير مختلفة لمذهب أوغسطينوس المتعلق بالكنيسة والنعمة الإلهية. ودار الخلاف الجدلي في القرن السادس عشر حول التبرير بالنعمة الإلهية وحدها بشرط الإيمان وحده (وهو الخلاف الذي بدا مملا وغير ذي صلة بالشخصيات العقلانية البارزة في القرن الثامن عشر) في إطار للأفكار أوغسطيني ومتعلق بالعصور الوسطى في طبيعته، وكان فصلا جديدا في النزاع الدائر حول العلاقة ما بين الطبيعة والنعمة الإلهية. في القرن السادس عشر، التجأ طرفا النزاع إلى أوغسطينوس. وكان قرار مجمع ترنت الخاص بالتبرير (1547) خليطا من عبارات أوغسطينية، وكان معاديا لبيلاجيوس بشدة، حتى إن البروتستانتيين لم يستطيعوا أن يحملوا أنفسهم على الإيمان بصدقه وإخلاصه. وأهم من ذلك كله أن الإنكار الأوغسطيني للقدرة البشرية على تحقيق الكمال كان له ممثلون، ولا سيما بين أتباع الينسينية والكالفينية، قامت حركة التنوير كرد فعل واضح ضد وجودهم .
شكل 10-1: القديس أوغسطينوس في صومعته في القرن الخامس الميلادي، بريشة ساندرو بوتشيللي. معرض أوفيزي، فلورنسا.
مرة أخرى نجد في أوغسطينوس مثالا للنموذج الصوفي؛ فقد التمست حركة الإصلاح البروتستانتية دعما واسعا من العامة بكراهيتها السياسية للنموذج الرهباني الذي عارضه المعارضون لهيمنة القساوسة على اعتبار أنه يستقطب ثروات طائلة دعما لمؤسساته. ورغم أنه ليس هناك توتر جوهري بين المذهب الصوفي التقشفي في المجتمع ومبدأ التبرير بالنعمة الإلهية بشرط الإيمان، حاول لوثر أن يحاجج بأن العهود الرهبانية تتعارض مع مسيحية العهد الجديد. شاركت حركة التنوير في هذه الكراهية أيضا، لكنها قبلت المعتقد الأوغسطيني المعارض للإصلاح، الذي مفاده أن الإنكار التقشفي للخيرات الطبيعية كان يدرس في العهد الجديد. ورأى فولتير وجيبون هذا التصوف المتأصل في المسيحية كداع وجيه لرفضها ونبذها: فإنجيل النعمة الإلهية والسلام لم يفعل شيئا يجعل العالم مكانا أكثر ثراء من الناحية المادية، والأدهى أنه أحبط الأبهة العسكرية.
Неизвестная страница