29

Начало осени

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Жанры

تدريجيا شعرت أوليفيا بأنها تعاود الانزلاق في تلك الحالة من الذهول المضطرب الذي صار يستحوذ عليها أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة. بدا أن الحياة تزداد هشاشة وتعقيدا، وإبهاما وغموضا، إلى أن صارت أحيانا مجرد مستنقع للمشكلات الدقيقة وجدت نفسها عالقة في خضمه وعاجزة عن التصرف. لم يعد أحد يتحدث حديثا مباشرا. كان الأمر أشبه بالعيش في عالم من الألغاز. وهذا الرجل المسن، حموها، كان هو اللغز الأعظم على الإطلاق، لأنه من المستحيل مطلقا أن تعرف إلى أي مدى كان يفهم ما يدور من حوله، وإلى أي مدى يختار التجاهل من منطلق الاعتقاد بأن إنكار وجود الأمر سيؤدي إلى زواله.

جلست في حيرة من أمرها، وبدأت تنتزع ورقة من أوراق عنقود زهور الليلك وتمزقها إلى قطع صغيرة.

قالت: «أحيانا، أظن أن سابين تعيسة.» «كلا ... الأمر ليس كذلك ... إنها متجاوزة لمشاعر السعادة أو التعاسة. إن فيها صلابة وعنادا لا يلين ... صلابة تضاهي صلابة ماسة مصقولة. إنها امرأة ذكية وغريبة الأطوار. إنها واحدة من تلك المخلوقات الغريبة التي يتخلص منها أناس مثلنا من وقت لآخر. لا شيء يشبههم تماما في هذا العالم. إنهم يمضون لأقصى وأغرب حدود التطرف. كان هوراس مماثلا لها، ولكن بطريقة مختلفة وأقل مصداقية.»

فجأة نظرت إليه أوليفيا، مندهشة من ومضة الذكاء والتبصر المفاجئة التي أبداها الرجل المسن، واحدة من تلك اللمحات المفاجئة الخاطفة التي جعلتها تعتقد أنه، في أعماق روحه، كان أكثر عمقا، وأكثر ذكاء، وأكثر عنادا وتحديا للتقاليد مما سمح للعالم أن يظن. كان السؤال القديم يتردد دوما في ذهنها. ما مدى ما كان يعرفه؟ وما مدى ما لم يكن يعرفه ... وراء الوجه المجعد القاسي المتصلب الهرم؟ أم أنها كانت نوعا من الفراسة، ليست نابعة من مرض مزمن، كما هو الحال مع جاك، وإنما من التقدم في العمر؟

قالت: «سأسأل سابين.» «هذا ليس ضروريا في الوقت الحالي. يبدو أنها نسيت الأمر مؤقتا. ولكنها ستتذكره مجددا وحينها أظن أنه سيكون من الأفضل مجاراتها، مهما كانت العواقب. لعلها لن تفكر في الأمر مجددا لأشهر ... إلى أن تكون سابين قد رحلت ... أردت فقط أن أسألك ... أن أستشيرك يا أوليفيا. ظننت أن بإمكانك أن ترتبي الأمر.»

نهضت، وبينما كانت تستدير لتغادر، سمعته يقول: «ربما تحب أن ترى بعض زهور الليلك في غرفتها.» تردد ثم أضاف بصوت جامد، هامد: «كانت مغرمة جدا بالزهور فيما مضى.»

قالت أوليفيا في نفسها وهي تتحاشى النظر إلى عينيه الداكنتين: «كانت مغرمة جدا بالزهور فيما مضى ... هذا يعني قبل أربعين عاما ... أربعين عاما طويلة. أوه، يا إلهي!» ولكن بعد ثانية قالت ببساطة: «لقد بدأت تكره الزهور. إنها تتخيل أنها تمتص الهواء وتخنقها. رؤيتها أمر سيئ جدا لها.» «كان ينبغي أن أعرف أنك فكرت في ذلك بالفعل.»

للحظة وقف العجوز في مواجهتها وعلى وجهه تعبير ثابت ومتفحص جعلها تشعر بالخجل ودفعها إلى أن تشيح بوجهها عنه قليلا؛ ثم فجأة، وبمسلك تشوبه هيبة غريبة وخوف من الرجل المتجهم المظهر، أمسك بيدها وقبل جبينها وهو يتمتم: «أنت فتاة صالحة يا أوليفيا. إنهم محقون فيما يقولونه عنك. أنت فتاة صالحة. لا أعرف كيف كان سيتسنى لي اجتياز كل هذه السنوات من دونك.»

نظرت إليه مبتسمة، ولمست يده في مودة، ثم خرجت دون أن تتحدث مجددا، وهي تفكر، كما فعلت من قبل آلاف المرات، في مدى بشاعة أن يكون المرء منذ مولده عاجزا عن الإفصاح عن مشاعره وخائفا منها مثل جون بينتلاند. قالت في نفسها لا بد أن الأمر أشبه بأن يعيش المرء مسجونا إلى الأبد داخل قوقعة فولاذية يمكنه أن يطل منها ويرى أصدقاءه ولكن دون أن يلمسهم أو يعرفهم.

ومن مدخل الباب، سمعت صوتا من ورائها، يقول بنبرة شبة مرحة: «لا بد أن الأطباء أخطئوا بشأن جاك. لقد غلبناهم أنا وأنت معا يا أوليفيا.»

Неизвестная страница