149

وكم وقفت بالإنسان همته، فدفعته هذه الإبرة العجيبة، فمضى قدما إلى العمل، وهمزته فدأب لا يعرف الكلل!

وكم أظلم على الإنسان طريقه، وعميت عليه أرجاؤه، وأطبقت عليه سحائب سوداء، وأحاطت به ظلمات لا شية فيها من الضياء، فنظر إليها، فإذا هي إلى الغاية دليل، وإذا هي في الظلمات قد استقامت على السبيل!

وكم جارت بالإنسان آراء مضلة، وأفكار غائلة، وأقوال ساحرة، فلما هلك أو كاد، ودارت به الحيرة والإلحاد، أحس اضطرابها في نفسه فسكن، فتهافتت الآراء، وتهاترت الأقوال، وثاب إليه هداه، فوجد أمامه الله! •••

إيه أيتها الإبرة الهادية! ضل الإنسان في صباه وهرمه، وجهله وعلمه، وسعادته وشقائه، ووحدته واجتماعه، وحله وترحاله، لولا هداية الله فيك، وبصيص من نوره في نواحيك، وصلة به لا تنقطع، وشعور به لا يضل، وجذوة من حبه لا تخمد.

وأما الذين أضلتهم الأهواء، فعميت عليهم الأنباء، وتخطفتهم في الحياة المآرب، فتذبذبوا بين شتى المذاهب، وشرق بهم مطمع، وغرب مطمع، وتلونت لهم غيلان من الآمال والأعمال، والذين فقدوا أنفسهم وهم لا يشعرون، وضل سعيهم وهو يحسبون أنهم مهتدون، والذين يلبسون كل يوم زيا، ويبدلون كل حين رأيا، ويلبسون لكل دولة وجها، ولكل سلطان زيا، ويتخذون لكل ساعة لسانا، ولكل فرصة وجدانا، فأولئك أغفلوا النظر إليك، فحرموا الاهتداء بك، أولئك في إبرتهم خلل قد عرض، أو أولئك في قلوبهم مرض.

بني قومنا

في أربعين الملك الشهيد غازي

1

أيها السادة!

أقوم بينكم مبلغا رسالة الجامعة المصرية، مديرها وأساتذتها وطلابها، المصريين والعراقيين وغيرهم. هذه الجامعة التي شجاها ما شجا معاهد العلم بالعراق من هذا الخطب الجلل، والرزء العميم.

Неизвестная страница