80

Спектры из жизни Мэй

أطياف من حياة مي

Жанры

من صداقة إلى حب

بدأت إذن علاقة جبران ب «مي» وعلاقتها به بطابع من الأدب والنقد، والتراسل الأدبي، ثم تطورت إلى صداقة، ثم تطورت الصداقة إلى حب، فغرام، فرغبة في الزواج. وقد شجع جبران على هذا التطور ما كان يقرؤه في رسائل مي إليه سواء أكانت نقدا لكتبه، أو سؤالا عنه في غربته، أو اهتماما بصحته وحالته، أو تعريفا له بأنها تحرص على قراءة مؤلفاته. وقد جاء في خطاب بعثته إليه في 22 مايو سنة 1912: «أما هناك في لبنان، فلا أحادث إلا الذي سرني حديثه، ولا أساتذة لي إلا أحلامي وتأملاتي، ولا أقرب من الكتب إلا الكتاب الذي أحبه، وكل واحد من مؤلفاتك صديق عزيز علي، بل أراني تلميذة أفكارك في مواضيع كثيرة.»

وقد قابلت هي هذا التطور بارتياح، بل استجابت إلى أنه الحب، واتجهت إلى محرابه، وكانت وقتئذ في عنفوان الشباب، وقد أخفت عليه في أول أمرها غرامها به، وتظاهرت بالصداقة الفكرية، ثم طواها الحب كما يطوي في بحره وبين عواصفه قلوب العاشقين فصرحت به، وصرح هو بحبه لها وغرامه بها، وجرت بينهما الرسائل الرقيقة البليغة التي تعد نموذجا خالدا من أدب الحب، فكتبا رسائلهما بأسلوب اجتمع فيه القلب والفكر والوجدان، وتسامت فيه النفس عن الجسد، وتغلبت فيه الروح على الماديات، ولكنه حب إنساني، عاش بين إنسانة وإنسان، واستعبد أديبة وأديبا، وأسعدهما بما فيه من لذة وجمال.

أنت وأنا غريبان

وقد بعث إليها جبران في أول نوفمبر سنة 1920 يصرح لها بأنه منذ عام يشعر بالميل إليها ميلا قويا، وهو الحب نفسه، ولكنه كان يكتمه حتى اضطر إلى أن يصارح به صديقة له في نيويورك، فقال:

عزيزتي مي «النفس يا مي، لا ترى بالحياة إلا ما بها، لا تؤمن إلا باختباراتها الشخصية، وإذا ما اختبرت أمرا صار جزءا منها. وأنا قد اختبرت أمرا في العام الغابر، اختبرته مرارا عديدة، اختبرته بنفسي وعقلي وحواسي، اختبرته وكان بقصدي أن أكتمه كشيء خصوصي، ولكني لم أكتمه، بل أظهرته لصديقة لي تعودت محادثتها، أظهرته لها لأنني شعرت إذ ذاك بحاجة ماسة إلى إظهاره! وهل تعلمين ماذا قالت صديقتي؟ قالت لي على الفور: «هذا نشيد غنائي.»

لو قيل لوالدة تحمل طفلها الوحيد على منكبيها: هذا تمثال من الخشب، وأنت تحملينه بعياقة، فبماذا تجيب تلك الوالدة، وبماذا تشعر؟

ومرت الشهور، وهذه الكلمة «نشيد غنائي» تطوف في نفسي، ولم تكتف صديقتي بما قالته، بل ظلت واقفة لي بالمرصاد، فلم أقل كلمة إلا ذيلتها بالتعنيف، ولم أحدق بشيء إلا وأخفته وراء الستار، ولم أمد يدا إلا وثقبتها بمسمار، بعد ذلك قنطت!

ليس بين عناصر النفس عنصر أمر من القنوط، ليس في الحياة شيء أصعب من أن يقول المرء لنفسه: قد غلبت!

والقنوط يا مي جزر لكل مد في القلب، والقنوط عاطفة خرساء؛ لذلك كنت أجلس أمامك في الآونة الأخيرة، وأنظر طويلا إلى وجهك بدون أن أنبس ببنت شفة؛ لذلك لم أكتب بدوري، كنت أقول في سري: لم يبق لي دور.

Неизвестная страница