(وعلم من البيان ما لم نعلم) بطريق عطف الخاص على العام؛ تنبيها على فضله # على ما عداه من الإنعام، وأراد بما لم نعلم: ما لم نعلم بوجه من الوجوه، وذلك التعليم لا يتأتى إلا من الله، فإن المعلم إنما يعلم بوجه ما ما نعلم بوجه آخر، فلا يكون ذكره تطويلا، وقيل: إن المراد ما لم نكن نعلم، أخذا من قوله تعالى:
وعلمك ما لم تكن تعلم (¬1) أي ما لم نف جوابا ما نعلم به ، ودفع التطويل لا يتم بمجرد إثبات فائدة رعاية السجع كما قيل، أو فائدة صنعة الطباق ورعاية تناسب الاشتقاق، لأن هذه محسنات بديعية، ولا بد لدفع التطويل مما يدخل في أصل البلاغة.
وقوله: (من البيان بيان لما لم نعلم) قدم عليه لرعاية السجع وفيه ترك رعاية جانب المعنى لرعاية جانب اللفظ إذ حق البيان أن يتأخر عن المبهم ليتمكن بالبيان في النفس فضل تمكن، ولا يرد أن رعاية السجع لا تقتضي تقديم البيان، إذ يمكن بأن يقال: وما لم نعلم من البيان علم؛ لأن فيه أيضا تأخير الفعل على خلاف الأصل، وإيهام أن ما لم نعلم هو المحمود عليه، ولا يخفى حسن البيان وما فيه من براعة الاستهلال، ثم أتى بالصلاة تكميلا للشكر؛ إذ ورد في الشرع من لم يشكر الناس لم يشكر الله، واقتفاء لما علمنا الله من جعل ذكره مقارنا لذكر نبيه في كلمة التوحيد، فقارن بين حمد الله وصلاة نبيه وإظهارا لحاجة النبي إليه، مع أنه أفضل المخلوقات، ومظهر خوارق العادات، صيانة عن وقوع هذه الأمة فيما وقع فيه النصارى، فقال: (والصلاة) وهي من الله الرحمة، وكلمة (على) متعلقة بالنزول؛ أي الرحمة نازلة.
(على سيدنا) أي سيد خير الأمم أو البشر أو المخلوقات، وعلى كل تقدير يفيد سيادته المبالغة في الحامدية، وهو أحمد لجميع المخلوقات (محمد) أي من حمد كثيرا، اشتق له من الحمد اسمان: أحدهما يفيد المبالغة في المحمودية والآخر المبالغة في الحامدية، وهو أحمد، واشتهر من بين الاسمين الأول أكثر اشتهار، وخص به كلمة التوحيد لأنه أنسب بما له من مقام المحبوبية، ووصفه بقوله:
Страница 139