واختار قوله الحمد لله موافقا للمنزل على قوله: الشكر لله، برب الناس (¬1)؛ تحسينا للبيان ببديع الاقتباس، وتبيينا لاختصاصهما؛ إذ اختصاص الحمد لاختصاص موجبه يوجب اختصاص الشكر من غير الانعكاس، واختاره على المدح تنبيها على أنه تعالى هو الفاعل المختار على ما عليه أرباب الملل الأخيار، ولا يشكل الحمد على صفاته تعالى لأنها مستندة إلى المختار، وأن ليست بالاختيار، أو منزلة منزلة الاختياري؛ لاستقلال الذات فيها من غير مدخلية شيء من الأغيار، ونصب الكتابة علامة على افتتاحة باقية على مديد من صفحة الدهر الغير (¬2) المتناهي، إذ التيمن باسم الله، والافتتاح بحمده أجل منقبة بها الرجل يباهي، وبأجلة أئمة الدين واليقين يضاهي، ومع كون تلك الكتابة تلك العلامة على الحمد الحميد، شكر عظيم لا يخفى على شاكر رشيد؛ لأنه فعل ينبئ عن تعظيم المنعم، وتمجيد الكريم الملهم، وجعلهما جزءا من # الكتاب، الذي هو العبارات المفيدة للمقاصد المكتوبة بين الدفتين، على ما هو المختار، أو هو نقوش الكتابة على احتمال ما، إتماما للاقتداء بالكلام، وإيماء للذكي الفهام، إن الحمد والبسملة أيضا كسائر ما بين الدفتين، في إيجاب الحمد، فيعجز كل ذي منة عن أداء محامده، بل شمة، ولا يريبك في ما ألفيت مما ألقيت عليك أنه مبني على جعل اللام في الحمد لام الاستغراق، وقد جعله العلامة الزمخشري (¬1) علامة تعريف الجنس ولا يوثق به؛ لأنه صرح بأن في هذا النظم دلالة على اختصاص الحمد به تعالى، فهو لا يتحاشى عن إفادة الاختصاص وإن يتحاش، فبناء على قاعدة الاعتزال من أن العباد هم الخالقون لأفعالهم؛ فالحمد على أفعالهم ليس حمدا له تعالى، ونحن- معاشر أهل السنة- ونخالفهم بناء على أن لا مؤثر إلا الله (¬2)، فالمحامد ترجع إليه ولا تتعلق في الحقيقة بما سواه، على أنه قيل: إنما جعل التعريف للجنس دون الاستغراق من موجبات القرائن كما سيتحقق في بحث التعريف للجنس دون الاستغراق؛ إما لبيان أن مدلول اللام هو الجنس، والاستغراق من موجبات القرائن كما سيتحقق في بحث التعريف، وإما لاختيار إثبات اختصاص الأفراد بجعل اختصاص الجنس كناية عنه لأنه أبلغ.
وما قدمناه لك من أن جملة الحمد قول دال على مالكيته تعالى بجميع المحامد، لا ينافي سلوك طريق الكناية وليس بالصريح في اختيار التصريح.
(والله) كالرحمن، مختص بواجب الوجود، لم يطلقا على غيره فيما بين المتدينين وغيرهم، إلا أن الله اسم هو قسم من العلم، والرحمن صفة، وقد اشتهر الذات في ضمن اسم الله بالاتصاف بجميع صفات الكمال، كالحاتم بالجود في ضمن هذا الاسم؛ فهو يدل على جميع الصفات على سبيل الإجمال؛ ففي ذكره للحمد (¬3) مزيد الإكمال؛ فلهذا اختير من بين الأسماء الحسنى المأثورة، فإن شيئا منها لا دلالة له عليه، والمتصف بجميع صفات الكمال، وما له من النظائر # والأمثال، كالكامل من كل وجه ليست من الأسماء المأثورة، على أنه لو قيل:
Страница 136