وكان يرتدي نفس القبعة الرمادية الطويلة، ونفس السترة الزرقاء ذات الطوق الرمادي، وقد حشا سرواله الواسع في حذاءين من جلد لين يصلان إلى ركبتيه، وكان أنفه الأقنى ينحني انحناء أفخم منظرا مما كنت أشاهده في الصورة، أما شارباه فقد كانا يبرزان من تحت منخريه أوسع مما كانا في صورته، وشعرت حين رأيته كأني أعرفه طوال حياتي، وأن في بساطته وابتسامته سرا قد أزال ما بينه وبيني من بون شاسع يفصل بين إله هبط من سماء الكرملن ومخلوق عادي لا حول له ولا طول.
وقدمني مدير المصنع له.
وهدر أورزنكدز وهو يمد يده إلي: «نعم، لقد سمعت عنك، كيف يسير العمل؟»
فقلت له: «إنه يسير سيرا حسنا.» ثم أضفت إلى ذلك قولي: «ولكن في الإمكان أن يكون أحسن مما هو.» - «هذا كلام طيب! وماذا نستطيع فعله لنجعله أحسن مما هو؟»
فأجبته: «ليس من السهل أن أجيب عن هذا السؤال في بضع كلماته.»
فضحك أورزنكدز وقال: «لا تستح وكن صريحا.»
فقلت: «حسن، يستطاع ذلك بشيء مما سأقول، إن لدينا إسرافا في الأجهزة وفي الرجال الذين يراقب بعضهم بعضا، لقد اطلعت على سجلات هذا المصنع نفسه في السنين السابقة لعهد الثورة، فوجدت أن موظفيه الإداريين يكادون يزيدون الآن 35٪ على ما كانوا من قبل، وأرى أن ذلك خطأ يجب تلافيه، إن كل إنسان هنا يقف في وجه الآخر؛ وتبعة النتائج ملقاة على عاتق كل إنسان، أي إنها لا تلقى قط على إنسان ما، والعمل رديء والنفقات كثيرة، ولست أدري لم استطاع الرأسماليون أن يجنوا من هذا المصنع أرباحا، على حين أننا نتكبد فيه خسائر، إن العمال يشتغلون كما كانوا يشتغلون في الماضي؛ ولهذا أرى أن الذنب ذنبنا نحن.»
ولاحظت وأنا في شدة حماستي الكلامية أن موظفي المصنع قد بدأ يساورهم القلق، وسعل المدير وارتجف ممثلو الحزب والنقابات، ووقف دولاب العمل في القسم، وخرق أذني صوت من مكان ينادي: «إنك محق يا فكتور أندريفتش، إنك محق!»
وواصلت حديثي وقد نسيت نفسي في أثناء حماستي الكلامية فقلت: «نعم، كثيرا ما أسمع جعجعة ولا أرى طحنا، إن النظام ضعيف لأن الذين يفرضونه كثيرون، وكل ما نحتاجه يا رفيق أورزنكدز هو إدارة موحدة وتبعة موحدة، من غير أن تتدخل فيها جهات كثيرة.»
فقال مرة أخرى: «هذا شيء جميل، وأنت على حق بوجه عام، والفزهد (الزعيم) نفسه يفكر هذا التفكير، ومن الواجب أن تذهب لتدرس يا رفيق كرافتشنكو.»
Неизвестная страница