فقال: «أصحيح هذا؟ أناتول فرانس! ولم لا تقرأ للكتاب الروس الأقدمين أو لأحد الكتاب السوفيت المعاصرين؟»
فأجبته: «إني أجد في أناتول فرانس أشياء كثيرة لا أجد لها نظيرا في مؤلفات كتاب السوفيت، فأناتول كاتب دقيق صريح، وأنا أقرأ للكتاب الروس الأقدمين، أما المؤلفون المحدثون فهم لا يكتبون إلا في السياسة، ويخيل إلي أنهم يتحاشون الكتابة عن الحياة الحقة المحيطة بنا.» - «شيء جميل، فلنبحث هذا في إحدى الليالي المقبلة، تعال إلى حجرتي لنتعارف.»
والتقيت به مرة أخرى بعد بضعة أيام في أثناء «دورة العمل»، وهي الدورة التي يؤتى فيها بمئات المتطوعين ليقوموا بعمل عاجل لا يتقاضون عليه أجرا، وكان العمل في هذه المرة نقل أكوام كبيرة من الفحم لإخلاء طريق عام، وكان الرفيق لزريف يرتدي ثياب العمل، يغطيها تراب الفحم، وفي يده مجرف يدفعه بنشاط عظيم، وحياني الرجل كأنه صديق لي قديم واغتبطت بذلك أيما اغتباط.
والتقيت به في تلك الليلة نفسها في المكتبة، وسألني عما كنت أقرؤه في ذلك الوقت فأجبته بأني أقرأ «ماذا تفعل؟» تأليف تشرتشفسكي.
فأومأ برأسه علامة على الاستحسان وقال: «هذا مؤلف عظيم الشأن.»
فأجبته: «أجل، وإن سؤاله الذي يقول ماذا تفعل ليحيرني الآن.» - «إنه سؤال قد تلقى الإجابة عنها ملايين الناس من لينين ومن ماركس قبل لينين، فهل قرأت لينين وماركس؟»
فأجبته: «قرأت أشياء قليلة متفرقة للينين، أما ماركس فلم أقرأ له شيئا، ولقد قرأت نشرات الحزب بطبيعة الحال، ولكني غير واثق من أن فيها إجابة وافية عن هذا السؤال: ماذا تفعل؟»
فتبسم الرفيق لزريف وقال: «تعال معي إلى حجرتي لنشرب قدحا من الشاي، ونتناول بعض المرطبات، ونتحدث دون أن نشوش على أحد.»
وكانت حجرة نظيفة ساطعة الضوء، فيها أريكة مغطاة بطنفسة جميلة، ومكتب صفت عليه كتب بين حاجزين بنظام جميل، وآنية ملونة تحتوي على أزهار ذات لون بهيج، وعلقت على أحد جدرانها عدة صور لأفراد أسرته، ومنها صورة له وهو غلام يرتدي حلة المدرسة العليا الرسمية، وعند قدميه كلب، ومنها أيضا صورة لأخت له حسناء وقد ارتدت هي الأخرى زي الطالبات ، وعلقت على جدار آخر وفي إطارين منفصلين صورتا لينين وماركس الشمسيتان، وبينهما صورة تولستوي المألوفة في شيخوخته، وعليه رداء الزراع الطويل، وإبهاماه مثبتتان في منطقته، وكانت هذه الصورة الأخيرة هي التي نفثت روح الحماسة في صدري، واستمالتني إلى المذهب الجديد.
وقلت وقتئذ في نفسي: «ليس هذا بحارا جلفا يهاجم ممرضة ليلا، إن في وسعي أن أتبع هذا الصنف من الشيوعيين.»
Неизвестная страница