174

Я выбрал свободу

آثرت الحرية

Жанры

أيكون قتل «كيروف» هو الذي أفزع السادة فحملهم على شيء من التساهل؟ فأوروبا كانت - فيما بدا - سائرة نحو الحرب، فهذا هو اغتصاب إيطاليا للحبشة اغتصاب اللصوص قد أعقبته حرب أهلية في إسبانيا، وهذا هو هتلر يهز سيفه النازي، أيكون السادة - إذن - قد صمموا إزاء ذلك على أن يوحدوا صفوف الشعب الروسي وراءهم بما يتفضلون به عليه من فتات الحرية؟ هكذا أخذنا ننفخ في صدورنا جذوة الأمل، ونجحد في أذهاننا نوازي الارتياب، ولم يكن يسيرا علينا أن نبقي جذوة الإيمان مشتعلة في وقت أخذت ريح الإرهاب الأعمى تهب فيها عاتية على نحو لم نعهده من قبل، وكان لا بد للإنسان من إغماض عينيه إغماضا يكاد يكون صحيحا بمعناه الحرفي، حتى يبقي لنفسه على آخر بصيص من الأمل.

كان العمل جاريا لتوسيع مجموعتنا الصناعية في نيقوبول، فأدت جموع العمال الذين كانوا يقومون بالبناء الجديد إلى تقليل موارد طعامنا وتضييق محال سكنانا على نحو لم نشهد له مثيلا، وحدث ذات يوم، في الوقت الذي كان صدري يجيش فيه بالأمل في تغيير يسير بنا نحو ما هو أفضل، حدث أن رأيت فرقة من جنود القسم السياسي تحوم حول مكان البناء الجديد، فلم يكن لذلك إلا معنى واحد، وهو أنهم قد جاءوا للعمل برجال سخروهم لذلك تسخيرا.

ودنوت من المكان فوجدتني لم أخطئ التخمين؛ إذ وجدت أربعمائة أو خمسمائة من الرجال والنساء أضناهم الشقاء، وجدتهم يعملون تحت الحراسة المسلحة، وجدتهم جماعة من الكائنات البشرية على وجوهها من علائم الأسى ما لم أشهد له مثيلا في كل ما عشت من سنين، فقد كانوا من هلهلة الثياب والقذارة وانحطاط الأجساد في صورة بشعة، لكن سكونهم في غير ابتسام كان أشد بشاعة من ذلك كله، وراحوا يعملون كأنهم ناس ضربت عليهم مسكنة وذلة، فقدوا كل اهتمام بالحياة حتى لم يعودوا ينظرون إلى ما حولهم نظرة الفاحص، أو يختلطون بالعمال الأحرار الذين كانوا يعملون على مقربة منهم.

كان هؤلاء المسجونون في نهاية كل يوم يصفون ثم يساقون إلى ثكنات خصصت لسجنهم تبعد عنا بضعة أميال، وبعد بحث دقيق علمت أن هؤلاء العمال قد تم «الاتفاق» على استخدامهم بين الموظفين القائمين على بناء هذه المنشآت وبين رجال القسم السياسي في مفاوضات رسمية، بحيث يدفع للقسم السياسي عن كل سجين مبلغ يقرب مما يدفع للعمال الأحرار، وهكذا كان القسم السياسي يسخر الملايين من المسجونين السياسيين تسخيرا مباشرا - في استخراج الملح أو استنجام الذهب أو في مد السكك الحديدية واحتطاب الخشب من الغابات وتجفيف المستنقعات وبناء المواني - حتى إذا ما تبقى من المسجونين السياسيين فيض بعد ذلك كله؛ استغلوه رقيقا في مشروعات سوفيتية أخرى.

وحدث في عطلة الأسبوع إبان الصيف أن استقللت قاربا بخاريا مع صديق وسبحت به في نهر الدنيبر، وكان معنا كثير من الطعام وزجاجة من النبيذ، فلما بلغنا مكانا من الشاطئ بليل الهواء تظلله الأشجار، جلسنا فأكلنا، ثم مشينا بعد ذلك مشية طويلة في طريق يمتد حذاء الشط، وإذا نحن فجأة نسمع صوتا أمامنا، حتى إذا ما جئنا إلى حنية في الطريق وجدنا منبسطا فسيحا تغطيه المستنقعات، ورأينا بضع مئات من رجال ونساء يشتغلون تحت حراسة مسلحة.

عندئذ أحسست كأنما أقحمت نفسي على فاحشة، وكان أول ما بدا لي أن أصنعه هو أن أنسحب متظاهرا بأني لم أر مما رأيت شيئا، لكن دافعا جذبنا جذبا نحو المكان، حيث العمال في هلاهيلهم يغوصون في الطين والماء إلى ركبهم، فلا تكاد تتبين منهم شيئا من صفات الإنسان، وأخذت سحائب من بعوض المستنقع تموج فوق رءوسهم، فقد أشعل الحراس المشاعل ليذبوا عن أنفسهم البعوض، وأما المسخرون فالظاهر أن قد اعتادت أجسادهم لسع الحشرات، واستقر بصري آخر الأمر على فتاة على ملامحها سحنة الأموات، اسود وجهها ويداها بفعل البعوض، لكنها لم تنفك عاملة بمجرافها لا تحفل بشيء، كأنها لم تكن تدري أنها تؤكل أكلا وهي لا تزال على قيد الحياة.

ودنا منا ضابط.

قال: «لماذا لا تنصرفان إلى سبيلكما أيها المواطنان؟ ليس هذا معرضا للمتفرجين.»

قلت: «أنا من رجال الحزب ورئيس أحد المصانع، وهذا الذي أراه مما يهمني من الوجهة الفنية الخالصة، فماذا يصنع هؤلاء؟» - «إننا نجفف المستنقع.»

سألته: «أهو مشروع يقوم به القسم السياسي؟» - «كلا، بل يقوم به السوفيت في نيقوبول، لكنهم «تعاقدوا» مع القسم السياسي على إمدادهم بالأيدي العاملة.»

Неизвестная страница