169

Я выбрал свободу

آثرت الحرية

Жанры

فأصدرت أمري أن ينقل إلى عمله الجديد، فشكرني وانصرف، وسرني من أعماق قلبي أن أراه من أول الأمر إلى آخره محتفظا لنفسه بكرامتها دون أن يبدي أقل علامة من علامات الزيغ، واستدعيت «ستاروستين» واتفقت معه أن يدبر له شيئا من المال يأخذه من «رصيد المساعدة المتبادلة»، ثم أمرت زيادة على ذلك أن تصرف له مجموعة من ملابس العمل وحذاء.

كانت مسافة الخلف الاجتماعي بين رجل مثل «كيريوشكين» وبين «أرستقراطي» من نوع «إستاخانوف» أبرز في شعور الناس من المسافة بين العمال والإدارة، وذلك بسبب الصلة اليومية الدائمة بين من هم من قبيل «كيريوشكين» ومن هم من النوع «الإستاخانوفي»، والظاهر أن السياسة الرسمية كانت تعقد النية على توسيع هذه الفوارق وعلى خلق أسباب أخرى مما يبث العداوة والريبة بين الناس ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

كان المهندسون ورجال الإدارة في الصناعة يلقون ازدراء يزداد يوما بعد يوم لما زعموه فيهم من «رجعية» ومن «تعطيل» للذين يضربون لغيرهم الأمثال في سرعة الإنتاج، وقد ساهم رجال الهيئة التنفيذية من الحزب في هذا الإيقاع بالإخصائيين في أفخاخ المهاجمين، وذلك لئلا يتجه اللائمون نحوهم بلائمة، وهكذا أخذ نفوذنا ينهار انهيارا لا ينقطع، فلما أحس بعض المهندسين ورؤساء العمال بل وبعض الأيدي العاملة الصغيرة، أن الكلمة العليا أصبحت لهم دون رؤسائهم، راحوا يتخذون قرارات جزافية يزيدون بها من أجورهم، وكثيرا ما كان ذلك يؤدي إلى أفدح النكبات بالإنتاج على وجه الإجمال.

ونفخت السياسة في أبواق الكفاية الإنتاجية فاتخذت لنفسها حق التصرف في الشئون الصناعية، فكثيرا ما كانت الكلمة النهائية في هذه الشئون للموظفين الشيوعيين أو لرجال الشرطة دون المهندس أو مدير المصنع، حتى لو كان الأمر متعلقا بمشكلات فنية خالصة، فكنا في صميم عهد من عهود الفوضى والحرب الأهلية في دائرة الصناعة، ووقعت بين حدبن: التعليمات الآتية من موسكو من جهة، وارتياب الأدنين من جهة أخرى بين شاق الأعمال وتدهور النظام، حتى أصبح الاضطراب العصبي والإرهاق صفة حياتي العادية أو كادا.

وأيقظني التليفون ذات مساء، فإذا بي أعلم أن إحدى الآلات أصيبت بعطب فجأة فتعطل نصف الفرع الذي أشرف عليه من فروع المصنع، فتمتمت لنفسي قائلا: «وهذا وجع رأس جديد.» ثم ارتديت ملابسي، حتى إذا ما بلغت المصنع وجدته يموج بألوان الموظفين ، فرئيس القسم السياسي في نيقوبول قد حضر بنفسه، كما حضر «دوروجان» و«جرشجورن» وغيرهما من المساعدين، وأخذ «كوزلوف» و«ستاروستين» ومهندسون كثيرون يهرولون حلقات حلقات، بينما جلس الإخصائيون من رجال الشرطة في مكتبي يستجوبون من حامت حولهم الشبهات ويدونون مذكراتهم.

ولم ألبث طويلا حتى تبينت ما حدث، فلا بد أن بعض «الإستاخانوفيين» المتحمسين وأحد المهندسين، قد قرروا على غير أساس أن يزيدوا من سرعة دوران المخرطة، ولما كانت هذه الآلة الأسطوانية لم تصطبغ بالعقيدة في ستالين انكسر منها جزء كبير عند الحزام الرئيسي وتعطلت آلة عن العمل، وكان الأمر على كثير من الخطورة؛ لأن الآلة المكسورة كانت صناعة ألمانية فلم يكن في الإمكان إصلاحها أو تغييرها قبل زمن طويل.

كان الموظفون الذين تكاثروا هناك حينئذ يتجهون بتفكيرهم اتجاها بوليسيا، فلم يعنهم إصلاح ما فسد بقدر ما عناهم ضبط المسئولين عن هذا الحادث، فانبث المحققون في أرجاء المصنع، وقامت استجوابات سرية في المكتب الرئيسي للقسم السياسي، سادها التهديد والشتائم، ولقد دعيت عدة مرات ووجهت إلي أسئلة، بحيث لم يمض ذلك المساء بما فيه حتى خارت قواي ولم أعد كثير النفع في مباشرة العمل، فالتعليلات البسيطة الواضحة لم تكن لتقنع «جرشجورن» لما اتصف به من التواء وعجز في تفكيره، فكنت تراه يصيح ويرغي ويزبد ويطالب ب «دليل» على اتهام هذا الشخص أو ذاك، وكلما ذكر اسما رأيت ملف أوراق يبرز فورا من مكمنه. ولم يكفهم أن يفرضوا الرقابة على كبار الموظفين، بل فرضوها كذلك على الصفوف الدنيا من العمال.

وصرخ جرشجورن قائلا: «كرافتشنكو، لست أراك بالمعين لنا فيما نحن بصدده، وصدقني إن قلت لك: إنك قد تدفع ثمن ذلك! فمن أجل نفسك أنت ينبغي أن تساعدنا على ضبط عوامل التخريب.»

وإذ نحن في معمعان هذه الأيام المليئة بأسباب الاضطراب، جاءني عامل ميكانيكي ماهر - هو دوبنسكي - يصحبه مساعده شباشنسكي، فبينما كان الآخرون في هياجهم يحققون، كان هذان الميكانيكيان العظيمان يخبران المعادن ويجريان التجارب الحرارية ويخططان التصميمات، وانتهى بهما البحث إلى الرأي بأن في مستطاعهما أن يصنعا بديلات للأجزاء المكسورة، لكنهما أرادا ضمانا بأنه في حالة فشلهما لا تقع تبعة الزمن الضائع والمادة المفقودة على عاتقيهما.

وبعد دراسة ما قدماه من رسوم وأرقام، قررت أن التجربة التي يقترحانها جديرة بالاختبار، فأبلغت قراري «لبراتشكو» و«كوزلوف» و«بروسكي» وقاية لهذين الرجلين وحماية لنفسي، وكذلك أمليت تقريرا وافيا أرسلته ل «رياسة صناعة الأنابيب» في خاركوف ثم عينت للتجربة ما يلزمها من رجال ومادة وأمرت بالبدء في إجرائها.

Неизвестная страница