من الموافقون؟ فارتفعت أيد كثيرة غير حافلة لما ارتفعت له.
ومن المعارضون؟ صمت، وهنا ارتفع صوت امرأة ارتفاعا مفاجئا: «أيها الرفيق الرئيس، إن كيريوشكين ها هنا لم يصوت.»
بهذا انبعثت الحياة في الاجتماع لأول مرة، أفي جماعتنا ثائر؟ أبين الأرانب ليث؟ فها هو ذا رجل مغمور اسمه «كيريوشكين» - كائنا من كان - بلغت به الجرأة ألا يرفع يده بالموافقة، وبهذا اكتشفت جريمته ضد الاشتراكية! فالثورة في طرف، واليقظة الساهرة في طرف، والبلاد يجيئها الإنقاذ في آخر لحظة ممكنة.
سأل الرئيس في صوت المغيظ: «أيها الرفيق كيريوشكين ألست من المصوتين؟»
فوقف رجل نحيف وديع المحيا، وكان وجهه ملطخا بالزيت لكنه ينم عن رزانة، وقال في صوت وقور: «لماذا يتحتم أن أصوت؟» قال هذا وهز كتفيه هزة يعبر بها عن عاطفته: «إن المعايير الجديدة نافذة على أي وجه من الوجوه، إن مهمتي هي أن أعمل، وها أنا ذا أعمل، ماذا تريدون مني غير هذا؟ أهو واجبي أن أرفع يدي موافقا؟ لا بأس، فهذه هي يدي أرفعها.» ورفع فوق رأسه يدا غير آبهة لما تفعل: «إن زوجتي وأطفالي يريدون مني زيادة في الكسب، وهذا الذي نصوت له معناه قلة فيما أكسبه ...»
وضحك بعض الحاضرين، لكن الكثرة الغالبة ظلت صامتة متأثرة بما قاله الرجل وبالطريقة التي تكلم بها.
وصاح صائح: «أيها الرفاق، إن كيريوشكين يستخف بالاجتماع ويلطخ الحركة «الإستاخانوفية» بالوحل! إنه لا يحس بواجبه نحو الجماعة.»
فهز كيريوشكين - الذي كان ما زال واقفا - كتفيه مرة أخرى وقال: «واجب نحو الجماعة! لست أدري ماذا تريد، إنني أحس أن أجري كل شهر مائة وأربعين روبلا فقط، ولدي زوجة وأطفال يريدون القوت.» - «كفانا مهزلة! هيا إلى الموافقة على القرار!» قال الرئيس ذلك مقاطعا، غير أن العامل الوديع غلبته جرأته فقال مخاطرا بنفسه: «ماذا تعني بقولك مهزلة؟!» ثم رفع صوته على نحو لم يكن يتوقعه السامعون: «انظر إلي، هذه الحلة التي أشتغل بها هي الحلة الوحيدة عندي، ولن تلبث أن تصبح هلاهيل، وأسرتي جائعة لا تكفي لإطعامها هذه المائة والأربعون روبلا التي أتقاضاها كل شهر، فإن كانت هذه مهزلة، إذن فكيف تكون المأساة؟»
وجلس، ولم يضحك من الحاضرين إلا قليلون.
وكانت مهمتي في هذا الاجتماع أن أشرح للحاضرين من وجهة النظر الهندسية أن معيار الإنتاج الجديد ممكن وعادل في آن معا، ولم يكن لي بد من أداء مهمتي، وبينا أنا ألقي على الحاضرين حديثي، كدت أقنع نفسي - وإن لم أقنع السامعين - أننا قادمون على حياة جديدة أوفر ثراء من حياتنا الراهنة لو عرف كلنا كيف يجيد العمل فينتح إنتاج الأكفاء، فقلت فيما قلت: إننا عشنا قرونا في خمول وتأخر، ولا بد لنا أن نعوض هذا كله في جيل واحد قصير الأمد، وقد أحسست حينئذ بالأسف لنفسي ولهؤلاء الرجال والنساء المنهوكة قواهم، الذين هم بمثابة عشيرتي، فنحن الجيل الذي شاء له التاريخ - إن حقا وإن باطلا - أن يحمل التضحية والعناء.
Неизвестная страница