1
بل ربما تجد هذا الخلاف في الكتاب الواحد فترى الرأي الأول في موضع منه ثم ترى الثاني في موضع آخر بلا تنبيه أو إشارة، غير إن أكثرهم على الرأي الأول، والظاهر أن الرأي الثاني مبني على الاستنتاج لا على النقل لتوهمهم أن وجود الآثار النبوية عند الخلفاء من مستلزمات الخلافة ومكملاتها، فلما عاد السلطان سليم من مصر بالخليفة والآثار، ظنوا أنه تسلمها منه.
وليس في التواريخ العربية التي بأيدينا ذكر لهذه الآثار ولا إشارة إليها سوى أن ابن إياس لما ذكر قدوم ابن الشريف بركات على السلطان سليم بمصر قال عنه: «وأحضر صحبته تقادم فاخرة» والمراد بالتقادم الهدايا، فلعل هذه الآثار كانت منها، ولكن سكوته عن الإفصاح عنها - مع ما لها من الشأن وجلالة القدر - لا يخلو من نظر.
والذي استخلصناه عن الشريف بركات هذا من تواريخ الحجاز أنه بركات بن محمد بن بركات، ولد بمكة سنة 861، وسافر إلى القاهرة سنة 878، ورجع شريكا لوالده في الإمارة، ثم استقل بها بعد وفاته سنة 903، ثم ثار عليه أخواه: الشريف هزاع والشريف أحمد الملقب بالجازاني سنة 904، ووقعت بينهم حروب آلت إلى ورود مرسوم السلطان الغوري من مصر بتولية هزاع الإمارة فتولاها إلى أن توفي سنة 907، فتولاها بعده أخوه أحمد، ثم ورد المرسوم من مصر بإعادة بركات فأعيد، ووقعت بينه وبين أحمد حروب وأهوال في أثناء سنة 908 ثم وصلت جنود من مصر في ذي القعدة من تلك السنة فمال قائدها مع أحمد وأعاده وقبض على بركات وجماعة من الأشراف وجعلهم في الحديد وعاد بهم إلى مصر بعد نهب دورهم، فتألم السلطان الغوري لذلك وأمر بإطلاقهم وإكرامهم، ثم فر بركات في أواخر هذه السنة أو في سنة 909 فألفى أخاه أحمد قد قتل، وتولى بعده أخوه حميضة، ثم عاد بركات إلى الإمارة، ووصله مرسوم الغوري سنة 910، وضخم ملكه وفوض إليه أمر الحجاز جميعه، ثم شاركه في الحكم ولده أبو نمي وهو صغير بأمر الغوري ، ولما استولى السلطان سليم على مصر سنة 923، أرسل إلى الشريف بركات يطلب دخوله في الطاعة، فأجاب، وأرسل ولده أبا نمي فقابل السلطان ولقي منه إكراما، ثم أعاده إلى والده شريكا له في الإمارة كما كان إلى أن توفي والده سنة 931، فتولاها أبو نمى منفردا، وكانت ولادته ليلة 9 ذي الحجة سنة 911، ووفاته سنة 992 عن ثمانين سنة. ا.ه. وقد ذكر ابن إياس قدومه إلى مصر وعودته منها ومقابلته للسلطان سليم في حوادث سنة 923 فقال في حوادث جمادى الآخرة منها ما نصه: «وفي يوم الأحد خامس عشرة، حضر إلى الأبواب الشريفة ابن السيد الشريف بركات أمير مكة، وكان سبب حضوره أنه أتى ليهنئ ابن عثمان بمملكة مصر وأحضر صحبته تقادم فاخرة وحضر صحبته بيبردي بن كسباي أحد أمراء العشراوات الذي كان باش المجاورين بمكة». ا.ه. وقال في حوادث رجب من تلك السنة: «وفي يوم الخميس رابعه خرج إلى السفر ابن السيد الشريف بركات أمير مكة فتوجه إلى وطاقه
2
الذي بالريدانية
3
فكان له موكب حافل، وخلع عليه السلطان قفطان
4
تماسيح مذهب وقدامه الرماة بالنفط، وخرج صحبته غالب الحجازيين الذين كانوا بالقاهرة، وقد أشار عليه السلطان بأن الحجازيين الذين بالقاهرة تخرج صحبته إلى إستنبول، وأشيع أن السلطان سليم شاه كتب مراسيم للسيد الشريف بركات أمير مكة بأن يكون عوضا عن الباشا الذي بها وجعله هو المتصرف في أمر مكة قاطبة وأضاف له نظر الحسبة بمكة أيضا وأنصفه غاية الإنصاف، وتزايدت عظمة السيد بركات الشريف إلى الغاية، وأكرم ولده غاية الإكرام».
Неизвестная страница