Асар аль-Ихтилаф фи аль-Каваид аль-Усуля фи Ихтилаф аль-Фукаха
أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء
Жанры
اختلاف العلماء في مسألة نكاح المحرم
من هذه المسائل التي نجمت عن الأدلة التي ظاهرها التعارض: نكاح المحرم، فهل المحرم يستطيع أن يعقد لغيره أو يعقد له؟ وهل نكاح المحرم يقصد به الوطء أم العقد؟ هناك من يقول: إن المراد بنكاح المحرم الوطء؛ لأن النكاح هنا يتردد بين الوطء وبين العقد، وهناك حديث في هذا، لكن ليس فاصلًا في محل النزاع، لكن نحن نقول: المقصود به العقد، ومن باب أولى أن يكون الوطء أيضًا؛ لأن الوطء حال الإحرام يفسد الحج على قول بعض العلماء، وبعضهم يقول: لا، لا بد أن يكمل، وهذا الراجح الصحيح يكمل حجه ويكون حجًا فاسدًا.
اختلف العلماء في مسألة نكاح المحرم؛ لأن الأدلة ظاهرها التعارض، قالت الأحناف: يجوز للمحرم أن ينكح، يعني: يعقد لأخيه ولابنه؛ وقالوا: دليلنا من السنة الحديث الذي في البخاري عن ابن عباس قال: (تزوج النبي ﷺ ميمونة وهو محرم)، وميمونة هذه كانت خالة ابن عباس.
قال الجمهور وهم: المالكية والشافعية والحنابلة: لا يحل للمحرم أن ينكح أو ينكح، والدليل على ذلك الحديث الصحيح عن عثمان بن عفان عن النبي ﷺ أنه قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح) وهذا دليل صريح جدًا في حرمة نكاح المحرم، أما قول الأحناف فنحن نرد على الحديث الذي استدلوا به بعدة ردود: أولًا: تزوج النبي ﷺ ميمونة وهو حلال ليس بمحرم، فعن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت: (تزوجني رسول الله ﷺ ونحن حلالان بسرف)، وهذه قرائن تثبت ضبط الراوي أكثر من ابن عباس، وقول الجمهور: المحرم لا يجوز له أن ينكح ولا يجوز له أن يعقد، ولا يجوز له من باب أولى أن يطأ امرأته في الحج، وهو الراجح الصحيح، وقد نقل البخاري نفسه عن ابن المسيب أنه قال: وهم ابن عباس في هذا الحديث، والذي يوضح وهم ابن عباس ﵄ في هذا الحديث هو قول أبي رافع؛ لأن أبا رافع روى حديث تزويج النبي ﷺ بـ ميمونة قال ﵁: (تزوج النبي ﷺ ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت السفير بينهما يعني: أن أبا رافع هو الذي خطبها للنبي ﷺ، فصاحب القصة أتقن وأضبط ممن بعد عن القصة، فهذا فيه دلالة واضحة على أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهي حلال، فقول ابن عباس: (تزوج وهو محرم) وقول أبي رافع (تزوج وهو حلال) هذه الأدلة ظاهرها التعارض، لكن نقول: وهم ابن عباس، والحكم لا يتعلق بالوهم، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وكأن ابن عباس لم يقل هذا القول؛ لأن الذي حضر القصة كان أتقن وأضبط من ابن عباس فرواها لنا صحيحة سليمة.
4 / 6