Асар аль-Ихтилаф фи аль-Каваид аль-Усуля фи Ихтилаф аль-Фукаха
أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء
Жанры
اختلاف الصحابة في حكم فعل النبي ﷺ
منشأ الخلاف عند الصحابة في فعل النبي ﷺ: فبعض الصحابة فهم أن فعل النبي سنة وقربة لابد أن نعمل بها، وبعضهم يرى أن فعل النبي ليس بقربة، بل هو عادة من نوى بها الاقتداء به ﷺ أجر على ذلك، لكنها ليست بعبادة.
مثال ذلك: عندما نزل النبي ﷺ بمكان بمكة اسمه الأبطح، فقد قال أبو هريرة: هذا النزول سنة، أي: أن كل من حج ورمى وأراد أن يرجع إلى بلده فعليه أن ينزل بالأبطح؛ لأنها سنة عن النبي ﷺ، وكذلك فهمه ابن عمر هذا الفهم، وكان أشد الناس تحريًا لسنة النبي ﷺ فكان ينزل بالأبطح.
لكن عائشة لما سئلت قالت: لا والله ما نزل رسول الله ﷺ بالأبطح إلا وفاقًا لا قصدًا، يعني: وافق مكان نزول النبي ﷺ، فقد يكون تعب ثم نزل الأبطح لموافقته مكان راحته، فتبين من كلام عائشة أن هذا الفعل ليس بسنة، بل جاء ذلك وفاقًا لا قصدًا، وهذا هو الراجح.
فالغرض المقصود أن الصحابة اختلفوا: هل فعل النبي يؤخذ على سبيل القربة أم الإباحة؟ فمن قال بالقربة اختلف مع من قال بالإباحة، وتفرع الخلاف هنا عند الفقهاء، فيقول مالك والشافعي مثلًا: إن هذا النزول في الأبطح سنة، ثم يأتيك الحنفي أو ابن حزم فيقول: ليس بسنة، فهذا الاختلاف منشؤه الاختلاف في فعل النبي ﷺ هل هو قربة أم لا؟ ومن ذلك أيضًا: أن ينظروا إلى فعل النبي هل هو خاص بالنبي أم لا؟ والذي جرى به قلم العلامة الشوكاني الجهبذ المجتهد المطلق، أنه إذا خالف الفعل القول فإن الفعل خاص.
مثال ذلك: الشرب قائمًا، أو استقبال القبلة ببول أو غائط، فقد ثبت عنه ﷺ أنه استقبل القبلة ببول وغائط كما قال ابن عمر: (رقيت على بيت حفصة فوجدت رسول الله ﷺ يقضي حاجته مستدبر الكعبة مستقبل بيت المقدس)، وكان قد نهى عن ذلك رسول الله كما سنبين في التعارض، فقال الشوكاني: فعل النبي خاص به، وعندنا النهي العام سواء في المراحيض أو غير المراحيض، فمن استقبل أو استدبر فقد أثم.
هذا كلام الشوكاني.
والشاهد من هذا: أنه يجعل فعل النبي خاصًا به، والجمهور يخالفونه فيرون أن الأصل في فعل النبي هو العموم؛ لأن الأحكام لا تتنزل خاصة بأحد إلا إذا دل الدليل على الخصوصية.
إذًا: فالقاعدة تقول: إن كل قول وكل أمر وكل فعل فهو لعموم الأمة لا يمكن أن يختص به رجل من الأمة ولا حتى رسول الله إلا أن يدل الدليل على التخصيص.
1 / 20