321

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Жанры

- قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: (إنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ﵁ قَضَى فِي الإِبْهَامِ بِخَمْسَ عَشَرَةَ، فَلَمَّا وَجَدَ كِتَابَ آلِ عَمْرُو بْنِ حَزْمٍ؛ وَفِيْهِ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ (وفي كُلِّ إِصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ) صَارُوا إِلَيْهِ. قَالَ: وَلَمْ يَقْبَلُوا كِتَابَ آلِ عَمْرُو بْنِ حَزْمٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ - حَتَّى ثَبَتَ لَهُم أَنَّهُ كِتَابُ رَسُوْلِ اللهِ. وَفِي هَذَا الحَدِيْثِ دِلَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: قَبُوْلُ الخَبَرِ.
وَالأُخْرَى: أَنْ يُقْبَلَ الخَبَرُ فِي الوَقْتِ الَّذِيْ يَثْبُتُ فِيْهِ - وَإِنْ لَمْ يَمْضِ عَمَلٌ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ بِمِثْلِ الخَبَرِ الَّذِيْ قَبِلُوا -،
وَدِلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَو مَضَى أَيْضًا عَمَلٌ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ ثُمَّ وُجِدَ عَنِ النَّبِيِّ خَبَرٌ يُخَالِفُ عَمَلَهُ لَتُرِكَ عَمَلُهُ لِخَبَرِ رَسُوْلِ اللهِ،
وَدِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ لَا بِعَمَلِ غَيْرِهِ بَعْدهُ). (١)
- لَيْسَ كُلُّ حُكْمٍ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى يَكُوْنُ كُفْرًا مُخْرِجًا مِنَ المِلَّةِ:
قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيْهَا هُدَىً وَنُوْرٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّوْنَ الَّذِيْنَ أَسْلَمُوا لِلَّذِيْنَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّوْنَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيْلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُوْنَ﴾ (المَائِدَة:٤٤).
قَالَ إِمَامُ المُفَسِّرِيْنَ الطَّبَرِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٢): (وَأَوْلَى هَذِهِ الأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ؛ قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هذهِ الآيَاتُ فِي كُفَّارِ أَهْلِ الكِتَابِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الآيَاتِ فِيْهِم نَزَلَتْ، وَهُمُ المَعنِيُّوْنَ بِهَا، وَهَذِهِ الآيَاتُ سِيَاقُ الخَبَرِ عَنْهُم؛ فَكَوْنُهَا خَبَرًا عَنْهُم أَوْلَى.
فَإنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَد عَمَّ بِالخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ جَميْعِ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ! فَكَيْفَ جَعَلْتَهُ خَاصًّا؟ قِيْلَ: إنَّ اللهَ تَعَالَى عَمَّ بِالخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ قَوْمٍ كَانُوا بِحُكْمِ اللهِ الَّذِيْ حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ جَاحِدِيْنَ؛ فَأَخْبَرَ عَنْهُم أَنَّهُم بِتَرْكِهِم الحُكْمَ - عَلَى سَبِيْلِ مَا تَرَكُوْهُ - كَافِرُوْنَ. وَكَذَلِكَ القَوْلُ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ جَاحِدًا بِهِ؛ هُوَ بِاللهِ كَافِرٌ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - لِأَنَّه بِجُحُوْدِهِ حُكْمَ اللهِ - بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَنْزَلُه فِي كِتَابِهِ - نَظِيْرُ جُحُوْدِهِ نُبُوَّةَ نَبيِّهِ - بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ نَبيٌّ -). (٣)

(١) أَوْرَدَهُ القَاسِمِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (قَوَاعِدُ التَّحَدِيْثِ) (ص٣٠٢) فِي (بَيَانِ الثَّمَرَاتِ المُجْتَنَاةِ مِنْ شَجَرةِ الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ المُبَارَكَةِ) وَالنَّصُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى هُوَ فِي كِتَابِهِ (الرِّسَالَةُ) (ص٤٢٤).
وَأَمَّا الحَدِيْثُ الَّذِيْ أَوْرَدَهُ فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (١٧٦٩٨) وَغَيْرِه، وَلَفْظُهُ - كَمَا أَوْرَدَهُ السُّيُوْطِيُّ ﵀ فِي جَامِعِ الأَحَادِيْثِ (٤٧١/ ٢) - (عَنْ سَعِيْدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي الإِبْهَامِ وَالتِيْ تَلِيْهَا نِصْفَ دِيَّةِ الكَفِّ. وَفِي لَفْظٍ: قَضَى فِي الإِبْهَامِ خَمْسَ عَشَرَةَ، وَفِي السَّبَّابَةِ عَشْرًا، وَفِي الوْسْطَى عَشْرًا، وَفِي البِنْصَرِ تِسْعًا، وَفِي الخِنْصَرِ سِتًّا، حَتَّى وَجَدَ كِتَابًا عِنْدَ آلِ عَمْرُو بْنِ حَزْمٍ يَزْعُمُوْنَ أنَّهُ مِنْ رَسوْلِ اللهِ ﷺ؛ فِيْهِ: (وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ عَشْرٌ). فَأَخَذَ بِهِ وَصَارَتْ إِلَى عَشْرٍ عَشْرٍ). قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀: إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ مُتَّصِلٌ إِلَى ابْنِ المُسيِّبِ؛ فَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ فَذَاكَ).
قُلْتُ: وَالتَّفْصِيْلُ مِنْ عُمَرَ ﵁ يَدُوْرُ حَوْلَ الخَمْسِيْنَ مِنَ الإِبِلِ، لِأَنَّهَا دِيَّةُ اليَدِ إِذَا قُطِعَتْ، وَالاجْتِهَادُ مِنْهُ ﵀ هُوَ فِي دِيَّةِ كُلَّ أُصْبُعٍ لِوَحْدِهَا.
(٢) (٣٥٨/ ١٠).
(٣) قَوْلُ ابْنِ عبَّاسٍ المَذْكُوْرُ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيْرٍ نَفْسُهُ (٣٥٧/ ١٠)، وَلَفْظُهُ (مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ؛ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ). وَقَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيْحَةِ (٢٥٥٢): (جَيِّدٌ فِي الشَّوَاهِدِ).

1 / 321