الشَّرْحُ
- الاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْواءِ: هُوَ نِسْبَةُ السُّقْيَا إِلَى الأَنْوَاءِ، وَالأَنْوَاءُ هِيَ النُّجُوْمُ، يُقَالُ لِلنَّجْمِ نَوْءٌ، وَالعَرَبُ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ النُّجُوْمَ وَالأَنْوَاءَ سَبَبٌ فِي نُزُوْلِ المَطَرِ. (١)
وَنَاءَ لُغَةً: أَيْ: نَهَضَ وَطَلَعَ، وَقِيْلَ: أَرَادَ بِالنَّوْءِ الغُرُوْبَ، وَهُوَ مِنَ الأَضْدَادِ. (٢)
وَالنَّوْءُ: وَاحِدُ الأَنْوَاءِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُوْنَ مَنْزِلَةً (نَجْمًا)، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَقْرِيْبًا، وَكُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا إِذَا طَلَعَ فِي المَشْرِقِ وَقَعَ حَالَ طُلُوْعِهِ آخَرُ فِي المَغْرِبِ، وَلَا يَزَالُ ذَلِكَ مُسْتَمِرًّا إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الثَّمَانِيَةُ وَالعِشْرُوْنَ بِانْتِهَاءِ السَّنَةِ، وَكَانَتِ العَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ مَعَ سُقُوْطِ المَنْزِلَةِ وَطُلُوْعِ نَظِيْرِهَا يَكُوْنُ مَطَرٌ، فَيَنْسِبُوْنَهُ إِلَيْهَا فَيَقُوْلُوْنَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ نَوْءًا لِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ السَّاقطُ مِنْهَا بِالغَرْبِ نَاءَ الطَّالِعُ بِالشَّرْقِ. (٣)
- مُنَاسَبَةُ هَذَا البَابِ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الأَبْوَابِ هُوَ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ:
١) أَنَّ الاسْتِسْقَاءَ بِالأَنْوَاءِ نَوْعٌ مِنَ التَّنْجِيْمِ.
٢) أَنَّهُ مِنَ السِّحْرِ بِمَعْنَاهُ العَامُّ.
٣) أَنَّهُ مُنَافٍ لِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ الوَاجِبِ، لِأَنَّهُ مِنْ كُفْرِ النِّعْمَةِ، حَيْثُ نَسَبَ نِعْمَةَ اللهِ تَعَالَى إِلَى غَيْرِهِ، - وَلَوْ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ فَقَطْ - فَهُوَ كُفْرٌ أَصْغَرٌ.
- الاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ شِرْكٌ، وَهُوَ ثَلَاثُ حَالَاتٍ:
١) أَنْ يَدْعُوَ الأَنْوَاءَ بِالسُّقْيَا، فَيَسْتَغِيْثَ بِهَا مِنْ دُوْنِ اللهِ ﷿، وَهُوَ شِرْكٌ أَكْبَرٌ، وَهُوَ مِنْ جَانِبِ الأُلُوْهِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِيْنَ﴾ (يُوْنُس:١٠٦).
٢) أَنْ يَنْسِبَ حُصُوْلَ الأَمْطَارِ إِلَى هَذِهِ الأَنْوَاءِ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الفَاعِلَةُ بِنَفْسِهَا دُوْنَ اللهِ تَعَالَى - وَلَوْ لَمْ يَدْعُهَا -، فَهَذَا شِرْكٌ أَكْبَرٌ فِي الرُّبُوْبِيَّةِ.
٣) أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الأَنْوَاءَ سَبَبًا لِلمَطَرِ - مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ اللهَ هُوَ الخَالِقُ الفَاعِلُ - وَهُوَ شِرْكٌ أَصْغَرٌ. (٤)
(١) وَمِنْهُم - وَهِيَ طَائِفَةٌ قَلِيْلَةٌ - مَنْ يَجْعَلُ النَّوْءَ أَوِ النَّجْمَ هُوَ الَّذِيْ يَأْتِي بِالمَطَرِ.
(٢) قَالَهُ ابْنُ الأَثِيْرِ ﵀ فِي كِتَابِهِ (النِّهَايَةُ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ وَالأَثَرِ) (٢٦٠/ ٥).
(٣) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ مِنْ كِتَابِ (فَتْحُ البَارِي) (٥٢٤/ ٢) لِابْنِ حَجَرٍ ﵀.
(٤) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٥٢٤/ ٢): (فَإِنِ اعْتَقَدَ قَائِلٌ ذَلِكَ - أَنَّ لِلنَّوْءِ صُنْعًا فِي ذَلِكَ - فَكُفْرُهُ كُفْرُ تَشْرِيْكٍ، وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيْلِ التَّجْرِبَةِ فَلَيْسَ بِشِرْكٍ، لَكِنْ يَجُوْزُ إِطْلَاقُ الكُفْرِ عَلَيْهِ وَإِرَادَةُ كُفْرِ النِّعْمَةِ).
1 / 274