حدثت ميليسينت نفسها بأنها لم تكن لتسمح لها بذلك، لم تكن لتسمح بذلك، ولا شك أنها على حق. لقد عاشت حتى طعنت في السن، وما زالت على قيد الحياة، ولو أن بورتر مات منذ عقود. البيت لا يلفت انتباهها كثيرا، ها هو قابع هناك وكفى. لكن بين الحين والآخر، ترى واجهته التي ملأتها الشقوق، نوافذه الخاوية المائلة، وأشجار الجوز خلفه تفقد مرارا وتكرارا ظلتها الرقيقة من الأوراق.
قالت إنه حري بها أن تهدم هذا البيت، وتبيع لبناته، وتساءلت لماذا لم تقدم على ذلك حتى الآن.
العذراء الألبانية
في جبال مقاطعة مالتسيا إي ماد، لا بد أنها حاولت أن تخبرهم باسمها، لكنهم لم يفهموا منها سوى «لوتار». كانت مصابة في ساقها من جراء السقوط على صخور حادة عندما أصيب مرشدها بطلق ناري. كانت تعاني من حمى. لم تكن تعلم كم من الوقت مضى حتى نقلوها عبر الجبال، بعد أن لفوها بدثار غليظ ووضعوها بإحكام على ظهر حصان. أعطوها ماء حتى تشرب بين الحين والآخر، وأحيانا كانوا يقدمون لها شرابا مسكرا قويا جدا يسمونه «راكي»، وهو ضرب من البراندي. رائحة أشجار الصنوبر كانت تتسلل إلى أنفها. ذات مرة، كانوا على متن قارب، فاستيقظت وتطلعت إلى النجوم وهي تلمع ويخبو بريقها وتتبدل مواقعها - عناقيد غير مستقرة جعلتها تشعر بالغثيان. لاحقا أدركت أنهم في البحيرة لا محالة؛ بحيرة سكوتاري أو سكودر أو سكودرا. توقفوا بين أعواد القصب ... كان البساط يعج بالحشرات الضارة التي تسللت تحت الخرقة المربوطة حول ساقها.
في نهاية رحلتها، ولو أنها لم تكن تعلم أنها النهاية، كانت مستلقية في كوخ صغير من الأحجار، وكان هذا الكوخ هو البناء الخارجي الملحق ببيت كبير يعرف باسم «كولا»، كان كوخا للمرضى والمحتضرين. لم يكن مخصصا للولادة؛ فنساء هذه البقعة كن ينجبن في الحقول أو على قارعة الطريق بينما كن يحملن حملا إلى السوق.
ربما مضى عليها أسابيع وهي مستلقية على فراش من السرخسيات المتراكمة. كان الفراش مريحا ويمكن تبديله بسهولة إذا ما تلوث أو لامسه الدم. كان اسم العجوز التي تتعهدها بالرعاية تيما. سدت جرحها بمعجون مصنوع من شمع النحل وزيت الزيتون وراتنج الصنوبر. كانت الضمادة تستبدل عدة مرات يوميا، وكان الجرح يغسل بشراب «راكي». استطاعت لوتار أن ترى ستائر سوداء تتدلى من العوارض الخشبية، وحسبت أنها بغرفتها في بيتها بصحبة أمها (التي كانت قد توفيت) والتي كانت تتعهدها بالرعاية. سألت: «لم علقت هذه الستائر؟ إنها تبدو بشعة!»
كانت ترى بالفعل خيوط عنكبوت، خيوطا غليظة ومغطاة بالغبار، خيوط عنكبوت قديمة، لم يمسسها شيء على مدار السنين .
وفي هذيانها، شعرت أيضا بلوح عريض يضغط على وجهها؛ شيء أشبه بلوح التابوت. لكن عندما عادت إلى رشدها، أدركت أن هذا الشيء لم يعد كونه صليبا؛ صليبا خشبيا أراد رجل أن يحملها على تقبيله. كان الرجل قسا فرنسيسكانيا، طويل القامة، صارم الملامح، أسود الحاجبين والشارب، كريه الرائحة، يحمل بخلاف الصليب مسدسا أدركت لاحقا أنه من نوع براونينج. علم من هيئتها أنها مسيحية - غير مسلمة - لكنه لم يدرك أنها ربما تكون ملحدة. كان يتحدث القليل من الإنجليزية، لكنه كان يلفظ الكلمات بطريقة صعب عليها فهمها، ولم تكن تعرف آنذاك شيئا من لغة الجيج. لكن بعد أن هدأت الحمى، وعندما حاول أن يتحدث إليها بالإيطالية، استطاعا أن يتبادلا أطراف الحديث لأنها كانت قد تعلمت الإيطالية في المدرسة، وجابت إيطاليا لمدة ستة أشهر. أدرك أكثر بكثير من أي شخص ممن حولها أنها كانت تتوقع منه - في البداية - أن يفهم كل ما تقوله.
سألته عن أقرب مدينة، فأجابها أنها سكودرا. طلبت منه أن يقصد هذه المدينة، ويبحث عن القنصل البريطاني، إن وجد. أنا أنتمي إلى الإمبراطورية البريطانية. قل لهم إنني هنا، أو إذا لم تجد قنصلا، فاذهب إلى مخفر الشرطة.
لم تكن تعي أن أحدا لن يقصد مخفر الشرطة أبدا تحت أي ظرف، لم تكن تعلم أنها أصبحت تنتمي الآن إلى هذه القبيلة التي تدعى «كولا»، حتى بالرغم من أنهم لم تكن لديهم نية قط لاحتجازها، بل كان ما حدث خطأ محرجا.
Неизвестная страница