فصاح الأمير نعيم قائلا: إن هذا هو الاتفاق العجيب الذي لم يرو مثله حتى في الروايات.
فقالت الأميرة: ماذا؟
فضحك الأمير ضحك المجنون، وقال: يا نعمت، أبشرك أن ابنتك تكون اليوم زوجة ابني. - إني يا أخي نعيم أسمع اليوم خرافات! فهل نحن في يقظة؟ صرت أرتاب بهذا الوجود وأشك حتى بوجداني.
وجعلوا يلغطون ويتفاهمون ويتساءلون عن أمور ماضية، ويدهشون مما يكتشفون من الأسرار الغابرة، وفي خلال ذلك وثب الأمير نعيم إلى التليفون وسأل عن يوسف في بيت الخواجه «م. ج.» فقيل له إنه مضى هو وماري المباركة منذ دقائق، فجعلوا يتشوفون من الشرفة إلى الشارع المؤدي إلى القصر.
وبعد دقائق رأوا مركبة وقفت أمامه فتدفعوا كلهم إلى باب القصر الأعلى يستقبلون القادمين، فانتهرهم الأمير نعيم قائلا: لا تفاجئوهما بأمر مستهجن؛ لأنهما ينفران إذ لا يعرفان شيئا من هذه الأسرار التي سمعناها الآن.
وعند ذلك دخل يوسف العفيف، وكف ماري المباركة بكفه، وقال: «مولاي، أقدم لك عروستي.» فعانقه الأمير وقال: لماذا يا حبيبي يوسف تقول مولاي؟ أتخاف أن تقول يا أبتي؟
ثم التفت يوسف إلى السيدتين الأخريين وحملق في جوزفين، فلم تتمالك أن عانقته فاستحى منها ومن عروسته، وقالت: «روحي ولدي!» والدمع يتفجر من عينيها، فدهش يوسف من هذه المقابلة الغريبة، وحار ماذا يقول، فنظر إليه الأمير نعيم وقال: لا تدهش يا ولدي، اقرأ هذه الورقة لتعلم بدء تاريخ حياتك. ودفع له ورقة الداية عائشة فقرأها، وما انتهى إلى آخرها حتى اشتدت دهشته وقال: أتقبل هذه الكتابة يا أبي شهادة صادقة على حقيقة ميلادي؟ - إنها صادقة يا ولدي، فأنت ابني وأنا أبوك وجوزفين أمك، لا نشك بذلك.
فاندفع يوسف إلى أمه وهي إلى جنب أبيه وضمهما معا والدموع تنسجم من عينيه، وقال: بأي لسان أحمد الله على نعمه؟!
وأما الأميرة نعمت فكانت تنظر إلى ماري المباركة وهي ترتعش من الاضطراب، وتتململ في مكانها وتود أن تتحقق إن كانت ابنتها حقيقة، وقد كاد الاضطراب يجنها، فلاحظ أخوها أمرها فأشفق عليها، فغمز يوسف وأحمد بك وخرجوا، فتقدمت جوزفين إلى ماري وقالت: هل سمعت يا حبيبتي ماري ما قرأه يوسف؟ - نعم، ولكني لم أفهمه، كأنه لغز.
فأعادت لها جوزفين معنى ما في ورقة الداية عائشة وقالت لها: إن تلك الداية وضعت تلك البنت في الدير الذي كنت فيه يا حبيبتي، ونحن نشتبه أن تلك البنت أنت، فهل تسمحين أن ننظر ظهرك لنرى إن كان عليه وشم نجمة؟
Неизвестная страница