Асл аль-Зари шарх Сахих аль-Бухари - Манускрипт
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
Издатель
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Место издания
https
Жанры
وهي تنبت في الماء، وجمعها: حلفاء، وقيل: هي سَلسَة غليظة المسِّ لا يكاد أحد يقبض عليها؛ مخافة أن تقطع يده، وقد تأكل منها الغنم والإبل أكلًا قليلًا، وهي أحب شجرة إلى البقر، والواحدة منها حلفاة، وهي موضع بينه وبين المدينة ميل أو ميلان، والميل: ثلث فرسخ، وهو أربعة آلاف ذراع، ومنه إلى مكة عشر مراحل، وهي الشجرة، وفي موضع آخر: منها إلى المدينة خمسة أميال ونصف مكتوب على الميل الذي وراءها: قريب من ستة أميال من البريد، ومن هذا البريد أهلَّ النبي الأعظم ﵇، وبذي الحليفة عدة آبار ومسجدان للنبي الأعظم ﵇، المسجد الكبير الذي يحرم منه الناس والآخر مسجد المعرس، وهي أبعد المواقيت من مكة؛ تعظيمًا لأجر النبي الأعظم ﵇.
(ويُهلُّ)؛ بضم أوله؛ أي: يحرم (أهل الشام): عطف على قوله: (يُهلُّ أهل المدينة)، وكذا قوله: (ويُهلُّ أهل نجد): عطف عليه، والتقدير في الكل: ليهل؛ لأنَّه وإن كان في الظاهر على صورة الخبر، ولكنه في المعنى على صورة الأمر، والشآم؛ بالهمز وتركه، وهو طولًا من العريش إلى الفرات، وعرضًا من أيلة إلى بحر الروم.
(من الجُحْفة)؛ بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، موضع بين مكة والمدينة من الجانب الشامي يحاذي الحليفة، وكان اسمها مَهْيَعة؛ بفتح الميم، وسكون الهاء، وفتح التحتية، سماها النبي الأعظم ﵇ بذلك فأجحف السيل بأهلها؛ أي: أذهبه فسميت جحفة، وهي على ستة أو سبعة مراحل من مكة، وكانت قرية كبيرة جامعة بها منبر بينها وبين البحر ستة أميال، وغدير خم على ثلاثة أميال منها، وهي ميقات المتوجهين من الشام، ومصر، والمغرب، وهي على ثمانية مراحل من المدينة، وكان أهلها العماليق بني عبيل، وهم أخوة عاد من يثرب.
(ويُهلُّ)؛ بضم أوله؛ أي: يحرم (أهل نَجْد)؛ بفتح النون وضمها لغتان، وسكون الجيم، آخره دال مهملة، لغة: ما أشرف من الأرض واستوى، وسمِّيت نجد؛ لعلوه، أو لصلابة أرضه، وكثرة حجارته، وصعوبته، أو لفزع من يدخله؛ لاستيحاشه، وهو مذكَّر، ولو أريد البلد؛ أنِّث، وهي سبعة مواضع: الحجاز: والشام، والعذيب، والطائف، والمدينة، واليمامة، والبحرين إلى عمان، ونجد المشهورة فيها خلاف والأكثر على أنَّها اسم للأرض التي أعلاها تهامة وأسفلها العراق والشام، وقيل: إن نجد ما ارتفع من أرض تهامة إلى أرض العراق، وتمامه في «عمدة القاري».
(من قَرْن)؛ بفتح القاف وسكون الراء، جبل مدور أملس كأنه هضبة مطلٌّ على عرفات، فمن جاء على طريق نجد من جميع البلاد؛ فميقاته قرن المنازل، وهو شرق مكة ومنه إلى مكة اثنان وأربعون ميلًا، وقيل: من قال: بالإسكان أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن قال: بالفتح أراد الطريق الذي يفرق منه.
وقال ابن الأثير: الفتح ليس بصحيح، فضبط الجوهري لها بفتح الراء خطأ، وزعم الجوهري أيضًا: أن أويسًا (^١) القرني بفتح القاف منسوب إليه وهو خطأ أيضًا، والصواب: سكون الراء، وإن أويسًامنسوب إلى قبيلة يقال لها بنوا قرن؛ فليحفظ.
(وقال ابن عمر): عطف على لفظ (عن عبد الله بن عمر) عطفًا من جهة المعنى كأنه قال: قال نافع: قال ابن عمر، وقال: (ويزعمون): عطف على مقدر؛ وهو قال رسول الله ﷺ ذلك، ولا بدَّ من هذا التقدير؛ لأنَّ الواو لا تدخل بين القول ومقوله، والمراد من الزعم: إما القول المحقق، أو المعنى المشهور له؛ لأنَّه لا يراد من هؤلاء الزاعمين إلا أهل الحجة والعلم بالسنة، ومحال أن يقولوا ذلك بآرائهم؛ لأنَّ هذا ليس مما يقال بالرأي، كذا قرَّره الإمام بدر الدين في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.
(أن رسول الله ﷺ؛ بفتح الهمزة، فـ (أن) مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي (زعم)، وفي رواية مالك قال: (وبلغني أن رسول الله ﷺ، (قال: ويُهل)؛ بضم أوله؛ أي: يحرم (أهل اليمن من يَلَمْلَم)؛ بفتح الياء التحتية وفتح اللامين، جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة، فإن أريد الجبل؛ فمنصرف، وإن أريد البقعة؛ فغير منصرف ألبتة، بخلاف قرن، فإنه على إرادة البقعة يجوز صرفه؛ لأجل وسطه، وتمامه في «عمدة القاري».
(وكان ابن عمر) ﵄ (يقول): جملة محلها النصب خبر (كان): (لم أفقه)؛ أي: لم أفهم ولم أعرف، وفي رواية في (الحج): (لم أسمع) (هذه)؛ أي: هذه المقالة (من رسول الله ﷺ وهي: (يُهلُّ أهل اليمن من يَلَمْلَم)، ففي الحديث: بيان المواقيت الثلاثة بالقطع، والرابع شك فيه ابن عمر، وقد ثبت هذا أيضًا بالقطع في حديث ابن عباس أخرجه الشيخان وآخرون، وفي رواية مسلم عن جابر وزاد فيه مسلم: (ومهلُّ العراق ذات عرق)، وهو قول الجمهور، وأخرج هذه الزيادة أبو داود بالجزم عن عائشة، وكذا أخرجه النسائي؛ كل منهما برجال ثقات، فصارت ذات عرق ميقاتًا لأهل العراق بالنصِّ القطعي.
وزعم قوم أن أهل العراق لا وقت لهم محتجين بالحديث، ورُدَّ بأن الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي أخرج في كون الميقات لأهل العراق ذات عرق أربعة أحاديث عن الصحابة؛ وهم ابن عمر، وأنس، وجابر، وعائشة، وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي، والحارث بن عمرو عند أبي داود، وعمرو بن العاص عند الدارقطني.
وقال الشافعي: ميقات أهل العراق من العقيق؛ لحديث الترمذي عن ابن عباس: (وقَّت النبي ﵇ لأهل المشرق العقيق)، ولا حجَّة فيه؛ لأنَّ في إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف لا يحتجُّ به.
وقال الشافعي في «الأم»: (ذات عرق لأهل العراق كان باجتهاد ابن عمر لا بالنص؛ لحديث الباب)، ورُدَّ بأنه ثبت ذلك بالنصِّ لا بالاجتهاد، كما علمت من الأحاديث الطافحة الدالة على ثبوته بالنص، وفيه أيضًا من معجزات النبي الأعظم ﵇؛ حيث أخبر أنه سيكون عراق ولهم مهل، ويسلمون ويحجون فكان ذلك، ووقَّت لأهل الشام الجحفة ولم يكن فتح، وقطع بلد الخليل لتميم الداري وكتب له بذلك، ولم يكن الشام إذ ذاك؛ فكان ذلك.
وفي الحديث: أيضًا أن هذه المواقيت لا يجوز مجاوزتها بغير إحرام سواء أراد حجًّا أو عمرة، فإن جاوزها بغير إحرام؛ يلزمه دم ولا يفسد حجُّه، وسيأتي تمام الكلام على ذلك في (الحجِّ) إن شاء الله تعالى بعونه، وقوَّته، وتوفيقه، فهو القادر على كل شيء.
(٥٣) [باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله]
هذا (باب من أجاب) الشخص (السائل) الذي سأل عنه (بأكثر)، وفي رواية: (أكثر)، (مما سأله) فلا يلزم مطابقة الجواب للسؤال؛ بل إذا كان السؤال خاصًّا والجواب عامًّا؛ جاز، وقولهم: (يجب أن يكون الجواب مطابقًا للسؤال) فمعناه: أن يكون الجواب مفيدًا للحكم المسؤول عنه، وليس المراد بالمطابقة عدم الزيادة؛ فافهم.
[حديث: لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويل]
١٣٤ - وبه قال: (حدثنا آدم)؛ بمد الهمزة، ابن أبي إياس، (قال: حدثنا ابن أبي ذِئْب)؛ بكسر الذال المعجمة وبالهمزة الساكنة، محمد بن عبد الرحمن المدني، (عن نافع): مولى ابن عمر، (عن ابن عمر): عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄، (عن النبي) الأعظم ﷺ؛ للتحويل، (وعن الزهري): محمد بن مسلم بن شهاب، (عن سالم): هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، (عن ابن عُمر)؛ بضم العين، عبد الله فهو والد سالم المذكور، (عن النبي) الأعظم ﷺ، وفي رواية: بإسقاط حرف الجر وكلاهما عطف على قوله: (عن نافع)، فهما إسنادان أحدهما عن آدم، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، والآخر عن آدم، عن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر.
(أن رجلًا)، قال في «عمدة القاري»: لم أقف على اسمه، (سأله) ﵇، جملة محلها الرفع خبر (أن)، (ما) استفهامية أو نكرة موصوفة أو موصولة، محلها النصب مفعول ثان لـ (سأل) (يَلْبِس)؛ بفتح التحتية
_________
(^١) في الأصل (أويس).
والموحدة، مضارع: لبس؛ بكسر الموحدة. (المحرم) بالحج أو العمرة، وأصله: الداخل في الحرمة؛ لأنَّه يحرم عليه به ما كان حلالًا له قبله من صيد ونحوه، (فقال) ﵇: (لا يلبسُ) من اللُّبس؛ بضم اللام من باب (علم يعلم)، وأما اللَّبس -بالفتح-؛ فهو من باب (ضرب يضرب)، يقال: لبست عليه الأمر، إذا خلطت عليه ومنه التباس الأمر وهو اشتباهه، روي بالرفع على أن لا نافية، وبالجزم على أنها ناهية؛ أي: المحرم. (القميصَ)؛ بالنصب على المفعولية وهو معروف يتخذ من القطن أو الصوف جمعه: قمص وأقمصة وقمصان، وهو مذكَّر وقد يؤنَّث، (ولا العِمامة)؛ بكسر العين واحدة العمائم، وعمَّمته ألبسته العمامة، وعمِّمَ الرجل سوِّد؛ لأنَّ العمائم تيجان العرب، كما قيل في العجم توِّج واعتمَّ بالعمامة وتعمَّم بها بمعنى، وفلان حسن العمَّة؛ أي: الاعتمام، كذا في «عمدة القاري» عن الجوهري. (ولا السراويل): أعجمية عرِّبت وجاء على لفظ الجمع وهي واحدة يذكر ويؤنث، ولم يعرف الأصمعي إلا التأنيث ويجمع على: السراويلات، وقد يقال: هو جمع ومفرده سروالة وهو غير منصرف على الأكثر، وقال سيبويه: سراويل واحدة أعجمية، فأعربت فأشبهت في كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة، وإن سمَّيت بها رجلًا؛ لم تصرفها، ومن النحاة من لا يصرفه أيضًا في النكرة ويزعم أنه جمع: سروال والسراوين؛ بالنون لغة، والشراويل؛ بالشين المعجمة لغة أيضًا أفاده في «عمدة القاري». (ولا البُرْنُس)؛ بضم الموحدة، وسكون الراء، وضم النون، ثوب رأسه منه ملتزق به، وقيل: قلنسوة طويلة، وكان النسَّاك يلبسونها في صدر الإسلام وهو من البِرس؛ بكسر الموحدة، وهو القطن والنون زائدة، وقيل: غير عربي، وكل ما جُبَّ فيه موضع لإخراج الرأس منه؛ فهو جبة، وكل ما خيط أو نسج في طرفه ليستمسك على اللَّابس؛ فهو برنس كالقفار ونحوها، وتمامه في «عمدة القاري». (ولا ثوبًا)؛ بالنصب عطف على قوله (القميص)، وروي بالرفع على تقدير فعل ما لم يسم فاعله؛ أي: ولا يلبس ثوب، (مسَّه الوَرْس): فعل، ومفعول، وفاعل، والجملة محلها النصب أو الرفع صفة لـ (ثوب)؛ بفتح الواو وسكون الراء آخره سين مهملة: نبت أصفر يكون باليمن تصبغ به الثياب ويتَّخذ منه الغمرة للوجه مثل: حب السمسم فإذا جف عند إدراكه؛ يفتق فيغض منه الورس، وتمامه في «عمدة القاري». (أو الزعفران)، وللأصيلي: (مسه الزَّعْفَران أو الورس) وهو بفتح الزاي والفاء وسكون العين بينهما نبت معروف يصبغ به، يقال: إن الكركمَ عروقه، وإذا كان في مكان لا يدخله سام أبرص وإنما عدل عن طريقة أخواته؛ لأنَّ الطيب حرام على الرجل والمرأة، فأراد أن يعمِّم الحكم للمحرم والمحرمة، بخلاف الثياب المذكورة؛ فإنَّها حرام على الرجال فقط، كذا في «عمدة القاري». (فإن لم يجد النَّعْلين): تثنية نعل وهي الحِذَاء؛ بكسر الحاء المهملة، والمد، وفتح النون، وسكون العين المهملة، جمعه: نعال، وكل ما وقيت به القدم من الأرض فهو نعل. (فلِيلبس)؛ بكسر اللام وسكونها (الخفين) تثنية خفٍّ معروف جواب الشرط، فلذا دخلته الفاء، (ولِيقطعهما)؛ بكسر اللام وسكونها عطف على (فليلبس)؛ أي: الخفين، (حتى) للغاية؛ أي: أن (يكونا)؛ أي: غاية قطعهما (تحت الكعبين) تثنية: كعب، والمراد به هنا: المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك لا العظم الناتئ عند مفصل الساق؛ فإنَّه في الوضوء، وهذا مذهب إمامنا المعظم الإمام الأعظم. وقال الشافعي: إنه العظم الناتئ عند مفصل الساق، وجملة (تحت الكعبين): خبر (يكونا): المنصوب بحذف النون، والواو في (وليقطعهما) لا تدل على الترتيب، ومعناها الشركة والجمع مطلقًا من غير دلالة على تقديم أو مصاحبة، كما نص عليه سيبويه، وله شواهد في القرآن العظيم وإنما أجاب بما لا يلبس عمَّا يلبس؛ لأنَّ المتروك منحصر والملبوس لا ينحصر؛ لأنَّ الإباحة هي الأصل فحصر ما يترك؛ ليبيِّن أن ما سواه مباح، وهو من بديع كلامه وفصاحته. وقد راعى (^١) المفهوم أيضًا فإنه لو أجاب بما يلبس؛ لتوهم المفهوم، وهو أن غير المحرم لا يلبسه فانتقل إلى ما لا يلبس؛ لأنَّ مفهومه مستعمل منطوقه، فكان أفصح، ونبَّه بـ (القميص) و(السراويل) على كل ما يعمُّ العورة من المخيط وبـ (العمائم) و(البرانس) على كل ما يغطى به الرأس مخيطًا أو غيره، وبالخفاف على ما يستر الرجل، وأن لباس ذلك جائز للرجال في غير الإحرام وإنما كان لهم؛ لأنَّ النساء مأمورات بستر رؤوسهن، وبـ (الورس) و(الزعفران) على ما سواهما من أنواع الطيب وهو حرام على الرجل والمرأة والخصوص للرجال؛ من حيث أن الألفاظ كلها للمذكَّرين، والعموم من الأدلة الخارجة عن هذا الحديث، ويدل له رواية قوله: (ولا ثوبُ)؛ بالرفع، وحكمة تحريم اللباس على المحرم: التذلل والخضوع، وفي الطيب: ترك زينة الدنيا، وقطع الخف عند عدم وجود النعل واجب عند إمامنا الإمام الأعظم والجمهور، فإن لم يقطعه؛ فعليه الفدية؛ للأمر بالحديث. وقال الشافعي: إذا لم يجد النعل؛ لا يجب قطع الخف، والحديث حجَّة عليه أيضًا، وقال أحمد: يجوز لبس الخف بدون قطع، وزعم أصحابه: أن القطع إضاعة؛ لما روى مسلم: (فإن لم يجد النعلين؛ فليلبس الخفين)، ولا دليل في هذا؛ لأنَّ الجمهور على أن المطلق محمول على المقيَّد، وزيادة الثقة مقبولة يجب الإيمان بها، والإضاعة منهي عنها فيما لم يأمر الشرع به، ودعوى النسخ باطلة؛ لما في «صحيح ابن خزيمة» وغيره من بطلانها، كما أوضحه في «عمدة القاري». فالحديث حجَّة عليه أيضًا، وهو القول بالرأي بعينه، ومنازعة السنة به؛ فليحفظ. وقال مجاهد، وهشام بن عروة، وعروة، وابن الزبير، ومالك في رواية: لا يجوز لبس الثوب الذي مسَّه ورس أو زعفران للمحرم سواء كان مغسولًا أو لم يكن؛ لإطلاق الحديث. وقال إمامنا الإمام الأعظم، ومالك في رواية، وأبو يوسف، ومحمد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، وأبو ثور، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: يجوز لبس الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران إذا كان غسيلًا لا ينفض؛ لأنَّه ورد في حديث ابن عمر المذكور: (إلا أن يكون غسيلًا)، وأخرج هذه الزيادة الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي في «معاني الآثار» وساقه بتمامه برجال ثقات، وزعم ابن حزم أنه لا يعلم صحته، وزعمه باطل؛ لأنَّ نفي علمه لا يستلزم النفي عن غيره؛ فافهم. وفي حديث ابن عباس: «من لم يجد إزارًا؛ فليلبس السراويل»، فأخذ به إمامنا الأعظم والإمام مالك، والشافعي، وأحمد، إلا أن إمامنا الأعظم ومالك أوجبا عليه الفدية بدليل آخر، والشافعي وأحمد أخذا بظاهره؛ فلم يجب عليه الفدية عندهما. قال في «البدائع»: المحرم إذا لم يجد الإزار وأمكنه فتق السراويل والتستر فيه؛ فعل، فإن لبسه ولم يفتقه؛ فعليه دم في قول أئمتنا، وإن لم يجد رداء وله قميص؛ فلا بأس أن يشق قميصه ويرتدي به؛ لأنَّه لمَّا شقَّه؛ صار بمنزلة الرداء، وكذا إذا لم يجد الإزار؛ فلا بأس أن يفتق سراويله خلاف موضع التكة ويأتزر به؛ لأنَّه إذا فتقه؛ صار بمنزلة الإزار، والله أعلم. «٤» [كتاب الوضوء] ولما فرغ المؤلف من كتاب (العلم) شرع يذكر العبادات مرتِّبًا لها على ترتيب حديث: «بني الإسلام»، وقدَّم الطهارة؛ لأنَّها مفتاح الصلاة، ولأن أوَّل شيء يسأل عنه العبد في القبر الطهارة فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم) _________ (^١) في الأصل: (راع).
والموحدة، مضارع: لبس؛ بكسر الموحدة. (المحرم) بالحج أو العمرة، وأصله: الداخل في الحرمة؛ لأنَّه يحرم عليه به ما كان حلالًا له قبله من صيد ونحوه، (فقال) ﵇: (لا يلبسُ) من اللُّبس؛ بضم اللام من باب (علم يعلم)، وأما اللَّبس -بالفتح-؛ فهو من باب (ضرب يضرب)، يقال: لبست عليه الأمر، إذا خلطت عليه ومنه التباس الأمر وهو اشتباهه، روي بالرفع على أن لا نافية، وبالجزم على أنها ناهية؛ أي: المحرم. (القميصَ)؛ بالنصب على المفعولية وهو معروف يتخذ من القطن أو الصوف جمعه: قمص وأقمصة وقمصان، وهو مذكَّر وقد يؤنَّث، (ولا العِمامة)؛ بكسر العين واحدة العمائم، وعمَّمته ألبسته العمامة، وعمِّمَ الرجل سوِّد؛ لأنَّ العمائم تيجان العرب، كما قيل في العجم توِّج واعتمَّ بالعمامة وتعمَّم بها بمعنى، وفلان حسن العمَّة؛ أي: الاعتمام، كذا في «عمدة القاري» عن الجوهري. (ولا السراويل): أعجمية عرِّبت وجاء على لفظ الجمع وهي واحدة يذكر ويؤنث، ولم يعرف الأصمعي إلا التأنيث ويجمع على: السراويلات، وقد يقال: هو جمع ومفرده سروالة وهو غير منصرف على الأكثر، وقال سيبويه: سراويل واحدة أعجمية، فأعربت فأشبهت في كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة، وإن سمَّيت بها رجلًا؛ لم تصرفها، ومن النحاة من لا يصرفه أيضًا في النكرة ويزعم أنه جمع: سروال والسراوين؛ بالنون لغة، والشراويل؛ بالشين المعجمة لغة أيضًا أفاده في «عمدة القاري». (ولا البُرْنُس)؛ بضم الموحدة، وسكون الراء، وضم النون، ثوب رأسه منه ملتزق به، وقيل: قلنسوة طويلة، وكان النسَّاك يلبسونها في صدر الإسلام وهو من البِرس؛ بكسر الموحدة، وهو القطن والنون زائدة، وقيل: غير عربي، وكل ما جُبَّ فيه موضع لإخراج الرأس منه؛ فهو جبة، وكل ما خيط أو نسج في طرفه ليستمسك على اللَّابس؛ فهو برنس كالقفار ونحوها، وتمامه في «عمدة القاري». (ولا ثوبًا)؛ بالنصب عطف على قوله (القميص)، وروي بالرفع على تقدير فعل ما لم يسم فاعله؛ أي: ولا يلبس ثوب، (مسَّه الوَرْس): فعل، ومفعول، وفاعل، والجملة محلها النصب أو الرفع صفة لـ (ثوب)؛ بفتح الواو وسكون الراء آخره سين مهملة: نبت أصفر يكون باليمن تصبغ به الثياب ويتَّخذ منه الغمرة للوجه مثل: حب السمسم فإذا جف عند إدراكه؛ يفتق فيغض منه الورس، وتمامه في «عمدة القاري». (أو الزعفران)، وللأصيلي: (مسه الزَّعْفَران أو الورس) وهو بفتح الزاي والفاء وسكون العين بينهما نبت معروف يصبغ به، يقال: إن الكركمَ عروقه، وإذا كان في مكان لا يدخله سام أبرص وإنما عدل عن طريقة أخواته؛ لأنَّ الطيب حرام على الرجل والمرأة، فأراد أن يعمِّم الحكم للمحرم والمحرمة، بخلاف الثياب المذكورة؛ فإنَّها حرام على الرجال فقط، كذا في «عمدة القاري». (فإن لم يجد النَّعْلين): تثنية نعل وهي الحِذَاء؛ بكسر الحاء المهملة، والمد، وفتح النون، وسكون العين المهملة، جمعه: نعال، وكل ما وقيت به القدم من الأرض فهو نعل. (فلِيلبس)؛ بكسر اللام وسكونها (الخفين) تثنية خفٍّ معروف جواب الشرط، فلذا دخلته الفاء، (ولِيقطعهما)؛ بكسر اللام وسكونها عطف على (فليلبس)؛ أي: الخفين، (حتى) للغاية؛ أي: أن (يكونا)؛ أي: غاية قطعهما (تحت الكعبين) تثنية: كعب، والمراد به هنا: المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك لا العظم الناتئ عند مفصل الساق؛ فإنَّه في الوضوء، وهذا مذهب إمامنا المعظم الإمام الأعظم. وقال الشافعي: إنه العظم الناتئ عند مفصل الساق، وجملة (تحت الكعبين): خبر (يكونا): المنصوب بحذف النون، والواو في (وليقطعهما) لا تدل على الترتيب، ومعناها الشركة والجمع مطلقًا من غير دلالة على تقديم أو مصاحبة، كما نص عليه سيبويه، وله شواهد في القرآن العظيم وإنما أجاب بما لا يلبس عمَّا يلبس؛ لأنَّ المتروك منحصر والملبوس لا ينحصر؛ لأنَّ الإباحة هي الأصل فحصر ما يترك؛ ليبيِّن أن ما سواه مباح، وهو من بديع كلامه وفصاحته. وقد راعى (^١) المفهوم أيضًا فإنه لو أجاب بما يلبس؛ لتوهم المفهوم، وهو أن غير المحرم لا يلبسه فانتقل إلى ما لا يلبس؛ لأنَّ مفهومه مستعمل منطوقه، فكان أفصح، ونبَّه بـ (القميص) و(السراويل) على كل ما يعمُّ العورة من المخيط وبـ (العمائم) و(البرانس) على كل ما يغطى به الرأس مخيطًا أو غيره، وبالخفاف على ما يستر الرجل، وأن لباس ذلك جائز للرجال في غير الإحرام وإنما كان لهم؛ لأنَّ النساء مأمورات بستر رؤوسهن، وبـ (الورس) و(الزعفران) على ما سواهما من أنواع الطيب وهو حرام على الرجل والمرأة والخصوص للرجال؛ من حيث أن الألفاظ كلها للمذكَّرين، والعموم من الأدلة الخارجة عن هذا الحديث، ويدل له رواية قوله: (ولا ثوبُ)؛ بالرفع، وحكمة تحريم اللباس على المحرم: التذلل والخضوع، وفي الطيب: ترك زينة الدنيا، وقطع الخف عند عدم وجود النعل واجب عند إمامنا الإمام الأعظم والجمهور، فإن لم يقطعه؛ فعليه الفدية؛ للأمر بالحديث. وقال الشافعي: إذا لم يجد النعل؛ لا يجب قطع الخف، والحديث حجَّة عليه أيضًا، وقال أحمد: يجوز لبس الخف بدون قطع، وزعم أصحابه: أن القطع إضاعة؛ لما روى مسلم: (فإن لم يجد النعلين؛ فليلبس الخفين)، ولا دليل في هذا؛ لأنَّ الجمهور على أن المطلق محمول على المقيَّد، وزيادة الثقة مقبولة يجب الإيمان بها، والإضاعة منهي عنها فيما لم يأمر الشرع به، ودعوى النسخ باطلة؛ لما في «صحيح ابن خزيمة» وغيره من بطلانها، كما أوضحه في «عمدة القاري». فالحديث حجَّة عليه أيضًا، وهو القول بالرأي بعينه، ومنازعة السنة به؛ فليحفظ. وقال مجاهد، وهشام بن عروة، وعروة، وابن الزبير، ومالك في رواية: لا يجوز لبس الثوب الذي مسَّه ورس أو زعفران للمحرم سواء كان مغسولًا أو لم يكن؛ لإطلاق الحديث. وقال إمامنا الإمام الأعظم، ومالك في رواية، وأبو يوسف، ومحمد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، وأبو ثور، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: يجوز لبس الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران إذا كان غسيلًا لا ينفض؛ لأنَّه ورد في حديث ابن عمر المذكور: (إلا أن يكون غسيلًا)، وأخرج هذه الزيادة الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي في «معاني الآثار» وساقه بتمامه برجال ثقات، وزعم ابن حزم أنه لا يعلم صحته، وزعمه باطل؛ لأنَّ نفي علمه لا يستلزم النفي عن غيره؛ فافهم. وفي حديث ابن عباس: «من لم يجد إزارًا؛ فليلبس السراويل»، فأخذ به إمامنا الأعظم والإمام مالك، والشافعي، وأحمد، إلا أن إمامنا الأعظم ومالك أوجبا عليه الفدية بدليل آخر، والشافعي وأحمد أخذا بظاهره؛ فلم يجب عليه الفدية عندهما. قال في «البدائع»: المحرم إذا لم يجد الإزار وأمكنه فتق السراويل والتستر فيه؛ فعل، فإن لبسه ولم يفتقه؛ فعليه دم في قول أئمتنا، وإن لم يجد رداء وله قميص؛ فلا بأس أن يشق قميصه ويرتدي به؛ لأنَّه لمَّا شقَّه؛ صار بمنزلة الرداء، وكذا إذا لم يجد الإزار؛ فلا بأس أن يفتق سراويله خلاف موضع التكة ويأتزر به؛ لأنَّه إذا فتقه؛ صار بمنزلة الإزار، والله أعلم. «٤» [كتاب الوضوء] ولما فرغ المؤلف من كتاب (العلم) شرع يذكر العبادات مرتِّبًا لها على ترتيب حديث: «بني الإسلام»، وقدَّم الطهارة؛ لأنَّها مفتاح الصلاة، ولأن أوَّل شيء يسأل عنه العبد في القبر الطهارة فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم) _________ (^١) في الأصل: (راع).
1 / 44