فسرت لأنها لم تكن تطمع بذلك لفرط ثروة الباشا، فأحبت إطلاع زوجها ليشاركها بالفرح، فبقيت تترقب الفرص لتراه مسرورا واسع الصدر، حتى كانت ليلة من ليالي الصيف في لندرا كان فيها زوجها أقل انقباضا من عادته، فجلست إليه وبدأت تلاطفه بالحديث إلى أن قالت: ألا تبرح مصرا على كتمان حكاية الشعر عني يا إبراهيم.
فتأفف إبراهيم من تكرار هذا السؤال عليه؛ لأنه ينقبض عند تذكره، فقال: أستحلفك بالله
فضحكت سعدى وقالت: أتظن لا أحد يحمل أسرارا إلا أنت فأعجبت بما كتمت؛ فإن لدي سرا لو أطلعتك عليه لزالت كل أكدارك وتبدلت بالأفراح.
قال: وما هو يا ترى السر الذي يجلب الأفراح وتكتمينه؟ قالت وهي تبتسم في وجهه: لا أستطيع أن أنقله لك قبل أن تسمح لي بفض الكتاب، أو تطلعني على حكاية الشعر.
فقال: إذا كان في معرفة سرك ما يفرح، ففي سري ما يحزن؛ فالأحرى أن نتجنب الحزن، ثم إني لا أستطيع التصريح بسري، فإذا كان سرك كما قدمت فهاته؛ لعلنا نجلي شيئا من صدأ الأحزان والأكدار، فقد كفانا ما كابدناه أثناء ضياع شفيق من المشقة، فلنشكر الرب على بقائه حيا، ونطلب إليه أن يحفظ لنا حياته، ويقدر له نصيبا يحفظ له سعادته وهناءه؛ لأن معظم سعادة الرجل تتوقف على حكمة امرأته وحسن أخلاقها.
فلما رأت سعدى أن الحديث قد سهل لها الخوض في أمر اقتران شفيق قالت: لا تظن أني أقل اهتماما منك في أمر اختيار عروس لولدنا تقرر له سعادة حياته، وأنا أفضل أن تكون من عائلة ذات ثروة واسعة؛ لأنه يستحق كل خير، فما رأيك في الابنة الغنية؛ ألا تفضلها على الجميلة؟
فتنهد إبراهيم كمن يريد التكلم ويمنعه الرقيب، فقال: إذا أردت رأيي، فلا أريد له ابنة إلا من ذوي قرباه، سواء كانت غنية أو فقيرة، جميلة أو غير جميلة.
فقالت: أتقصد من أقربائك أو أقربائي؟
قال: من أقربائي؟
فرمقته بنظر المدهوش قائلة: قد مر علي برفقتك كل هذا الزمن ولم تطلعني على شيء من أمر وطنك أو ذوي قرباك؛ أليس هذا إجحافا منك أن أعيش معك زهاء عشرين سنة ولا تعلمني من أي البلاد بلادك، ولا من أي الناس أهلك؟ فكتمانك عني هذا الأمر أشبه بكتمان أمر الصندوق.
Неизвестная страница