فكاد الباشا أن يطير فرحا؛ لعلمه بالغنى الوافر الذي ورثه عزيز عن أبيه، وأنه سيحصل على التصرف به إذا تولى الوصاية عليه، ولاح له أيضا أنه سيسعى إلى تحبيبه بابنته وتزويجه إياها، فيصير كل المال إليه. وكان إذا تصور ذلك يختلج قلبه سرورا، ويزيد اعتباره لعزيز، ويتوق إلى حديثه، فتقدم إليه بسيكارة، فتناولها عزيز شاكرا، وجلس يدخن وهو يتنقل بنظره من جهة إلى أخرى؛ تارة إلى المرسح، وأخرى إلى التمثيل، ثم يرفع النظارات ويمسحها بطرف منديله وهو يفكر بوسيلة يعرقل بها مساعي شفيق إذا أراد فدوى؛ لما لاحظ من حبهما المتبادل.
وفيما هما بذلك جاء بخيت يقول: يا سعادة الباشا، إن سيدتي فدوى قد عادت إلى خلوتها، فقال: حسنا. ثم عاد بخيت.
أما عزيز، فعلم أن خروج فدوى لم يكن إلا لمقابلة شفيق خارج الملعب، فازداد حسدا، فأجهد الفكرة لبلوغ مرامه، فاهتدى إلى حيلة، فقال للباشا: أليس الذي خاطب سعادتكم خصيا؟
قال: نعم، هو خصي خرج بابنتي في آخر الفصل الأول لترويح نفسها خارج الملعب، وأتى الآن ليخبرني برجوعها. - وهل السيدة فدوى ابنة سعادتكم.
فتعجب الباشا من ذلك وقال: نعم، هي ابنتي، ومن أين عرفتها؟
قال عزيز : قد عرفت ذلك بطريق الاتفاق. فاشتغل قلب الباشا كثيرا، وتقدم إلى عزيز ليفصح عن كيفية معرفته بها.
فامتنع عن الإجابة أولا بدعوى أن ليس في الأمر ما يوجب الاهتمام، ثم قال: ولكن يجب علي حبا بمصلحة سعادتكم، وصيانة لشرف السيدة كريمتكم، أن أوجه التفاتكم إلى أمر مهم؛ وهو أن الأجدر بكم ألا تهملوا أمر مراقبة الخاتون ابنتكم؛ لأنها جوهرة ثمينة؛ فلا تعهدوا أمرها إلى الخصيان؛ لأن الأمين بينهم قليل.
قال الباشا: الحق في جانبك يا عزيزي، لكني قد عهدت أمرها إلى أفضل من عرفت بين هؤلاء؛ فإن بخيتا الذي رأيته الآن خادم أمين صادق يحب الفتاة حبا عظيما، ويحافظ على شرفها، وقد أظهر أمانته في أحوال مختلفة.
قال عزيز: إن قولي هذا لم يكن إلا على سبيل التعميم، وقد كفى ما أشرت إليه الآن، وعسى أننا نلتقي مرة أخرى للمفاوضة فيما دار بيننا.
قال الباشا: إذا أتيت منزلي غدا نتفاوض مليا. ثم نهض عزيز مودعا وقد أظهر ما استطاع إظهاره من اللطف والرقة والثقة والغيرة حتى حبب الباشا به.
Неизвестная страница