أطيعوا الله وأطيعوا
.
فقال المتمهدي: خذوه إلى السجن موثقا حتى نرى ماذا نعمل به.
فقال شفيق: حيا الله مولانا وبياه. إن الوثاق لا يزيد شيئا من لوازم الحجر علي؛ لأني لو أطلقتم سبيلي ما استطعت العود وحدي، فلتتركوني محلول الوثاق كواحد من رجالك؛ لعلي أستطيع خدمة لكم.
فزاد شفيق كرامة في عيني المتمهدي، فأمر بعض من في حضرته أن يذهب به إلى حجرة يحفظه بها تحت الحجر، فخرج شفيق ينفض غبار الموت عن وجهه، وقعد يندب سوء حظه ويلعن ذلك الخائن الذي خانه وألقاه في هذا الضيق.
فساروا به إلى حجرة ينام فيها بعد أن جاءوه بالطعام، فتناول العشاء ثم تركوه في الحجرة وقد أظلمت الدنيا، فجلس على الأرض وأفكاره تتقاذفه كخشبة تتقاذفها الأمواج، وأخذ يتأمل فيما مر به من الأخطار، وما لا يزال يخشاه، وخطر على باله فدوى، فخفق قلبه وجلا عليها لئلا تحزن على طول غيبته، واشتد به الشوق حتى بكى، وأراد أن يخرج الصورة لمشاهدتها، ولكنه علم أنه في ظلمة وإخراجها عبث، ولكنه مع ذلك أخرجها وأخذ يقبلها ويبكي، ويخاطب نفسه كل ذلك الليل نادبا سوء حظه، وطالبا إلى الله تعالى أن يخفف حزن والديه وخطيبته.
الفصل السابع والأربعون
قادم غير منتظر
وفيما هو في ذلك وقد مضى معظم الليل سمع وقع أقدام عند باب الحجرة وصوتا منخفضا يقول: لا تخف يا أخي ولا تجزع. فاقشعر بدن شفيق وأسرع إلى إخفاء الصورة وقال: من أنت؟ قال: إني أنا صديق لك. لا تخف. فأمل شفيق من ذلك خيرا، فسكت برهة وإذا بذلك الرجل قد دخل بعد أن أشعل قطعة خشب ووضعها في منتصف الحجرة ليستضيء بها، فتأمل الرجل فإذا به أسمر البشرة، ويظهر أنه مصري النزعة، ولكنه في لباس الدراويش، فأوجس خيفة وظهر ذلك على وجهه، فابتدره الرجل بالكلام هامسا في أذنه قائلا: لا تخف يا أخي؛ إني لست درويشا إلا حسب الظاهر، ولم أتقلد هذه المرقعية وهذه العمامة إلا رغما عني، فطب نفسا عسى أن ينجيك الله على يدي.
فقال شفيق: ومن أنت؟
Неизвестная страница