وطر المرء مادامت حشاشة نفسه ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي
- ٣ - وقال امرؤ القيس أيضًا:
خليلي مرا بي على أم جندب ... نقض لبانات الفؤاد المعذب
فإنكما إن تنظراني ساعة ... من الدهر تنفعني لدى أم جندب
ألم ترياني كلما جئت طارقًا ... وجدت بها طيبًا وإن لم تطيب
عقيلة أتراب لها لا دميمة ... ولا ذات خلق إن تأملت جأنب
ألا ليست شعري كيف حادث وصلها ... وكيف تراعى وصلة للتغيب
أقامت على ما بيننا من مودة ... أميمة أم صارت لقول المخبب
فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها ... فإنك مما أحدثت بالمجرب
وقالت متى يبخل عليك ويعتلل ... يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن ... سوالك نقبا بين حزمى شعبعب
علون بأنطاكية فوق عقمة ... كجرمة نخل أو كجنة يثرب
ولله عينًا من رأى من تفرق ... أشت وأنأى من فراق المحصب
فريقان منهم جازع بطن نخلة ... وآخر منهم قاطع بحد كبكب
فعيناك غربًا جدول في مفاضة ... كمر الخليج في صفيح مصوب
وإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب
وإنك لم تقطع لبانة عاشق ... بمثل غدو أو رواح مؤوب
بأدماء حرجوج كأن قتودها ... على أبلق الكشحين ليس بمغرب
يغرد بالأسحار في كل سدفة ... تغرد مياح الندامى المطرب
أقب رباع من حمير عماية ... يمج لعاع البقل في كل مشرب
بمحنية قد آزر الضال نبتها ... مجر جيوش الغانمين وخيب
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... وماء الندى يجري على كل مذنب
بمنجرد قيد الأوابد لاحه ... طراد الهوادي كل شأو مغرب
على الأين جياش كان سراته ... على الضمر والتعداء سرحة مرقب
يباري الخنوف المستاقل زماعه ... ترى شخصه كأنه عود مشحب
له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وصهوة عير قائم فوق مرقب
ويخطو على ضم صلاب كأنها ... حجارة غيل وارسات بطحلب
له كفل كالدعص لبده الندى ... إلى حارك مثل الغبيط المذأب
وعين كمرآة الصناع تديرها ... لمحجرها من النصيف المنقب
له أذنان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي مذعورة وسط ربرب
ومستفلك الذفرى كأن عنانه ... ومثناته في رأس جذع مشذب
وأسحم ريان العسيب كأنه ... عثاكيل قنو من سميحة مرطب
إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه ... تقول هزير الريح مرت بأثأب
يدير قطاة كالمحالة أشرفت ... إلى سند مثل الغبيط المذأب
ويخضد في الاري حتى كأنما ... به غرة من طائف غير معقب
فيومًا على سرب نقي جلوده ... ويومًا على بيدانة أم تولب
فبينا نعاج يرتعين خميلة ... كمشي العذارى في الملاء المهدب
فكان تنادينا وعقد عذاره ... وقال صحابي قد شأونك فاطلب
فلأيًا بلأي ما حملنا غلامنا ... على ظهر محبوك السراة محنب
وولى كشؤبوب العشي بوابل ... ويخرجن من جعد ثراه منصب
فللساق ألهوب وللسوط درة ... وللزجر منه وقع أهوج منعب
فأدرك لم تجهد ولم يثن شأوه ... يمر كخذروف الوليد المثقب
ترى الفأر في مستنقع القاع لاجبًا ... على جدد الصحراء من شد ملهب
خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهن ودق من عشي مجلب
فعادى عداءً بين ثور ونعجة ... وبين شبوب كالقضيمة قرهب
وظل لثيران الصريم غماغم ... يداعسها بالسمهري المعلب
فكاب على حر الجبين ومتق ... بمذرية كأنها ذاق مشعب
وقلنا لفتيان كرام ألا انزلوا ... فعالوا علينا فضل ثوب مطنب
وأوتاده ماذية وعماده ... ردينية فيها أسنة قعضب
وأطنابه أشطان خوض نجائب ... وصهوته من أتحمى مشرعب
فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري جديد مشطب
كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب
ورحنا كأنا من جؤائي عشية ... نعالى النعاج بين عدل ومحقب
1 / 14