فارتعش الشيخ عباس وسقط السيف من يده وصرخ قائلا: «هل يعترض الخادم الضعيف سيده وولي نعمته؟»
فأجابه الرجل: «الخادم الأمين لا يشارك سيده بالشرور والمظالم، إن هذا الشاب لم يقل غير الحق ولم يعلن لهؤلاء السامعين سوى الحقيقة.»
وتقدم رجل آخر وقال: «لم يقل هذا الفتى شيئا يستوجب الحكم؛ فلماذا تضطهده؟»
ورفعت امرأة صوتها وقالت: «لم يقذف بالدين ولم يجدف على اسم الله فلماذا تدعوه كافرا؟»
فتشجعت راحيل إذ ذاك وتقدمت إلى الأمام وقالت: «إن هذا الشاب يتكلم بألسنتنا ويتظلم عنا ومن يريد به شرا يكون عدوا لنا.»
فقال الشيخ عباس صارفا أسنانه: «وأنت تتمردين أيضا أيتها الأرملة الساقطة؟ هل نسيت ما أصاب زوجك عندما تمرد علي منذ خمس سنوات؟»
فشهقت راحيل عندما سمعت هذه الكلمات وارتعشت متوجعة كمن أدرك سرا هائلا، والتفتت نحو الجمع وصرخت بأعلى صوتها: «هل سمعتم القاتل يعترف بجريمته في ساعة غضبه؟ ألا تذكرون أن زوجي قد وجد قتيلا في الحقل وقد بحثتم عن القاتل فلم تجدوه لأنه كان مختبئا وراء هذه الجدران؟ ألا تذكرون أن زوجي كان رجلا شجاعا؟ أما سمعتموه متكلما عن مكاره الشيخ عباس منددا بأعماله متمردا على قساوته؟ ها قد أبانت السماء قاتل جاركم وأخيكم وأوقفته أمامكم فانظروا إليه واقرأوا جريمته مكتوبة على وجهه المصفر، انظروه متململا جازعا، تأملوا كيف قد ستر وجهه بيديه كي لا يرى عيونكم محدقة به، انظروا السيد القوي مرتجفا كالقصبة المرضوضة، انظروا الجبار العظيم مرتاعا أمامكم كالعبد الخاطئ، إن الله قد أراكم على حين غفلة خفايا هذا القاتل الذي تخافونه وأبان لكم النفس الشريرة التي جعلتني أرملة بين نسائكم وتركت ابنتي يتيمة بين أبنائكم.»
وبينما راحيل تتكلم صارخة وألفاظها تنقض كالصواعق على رأس الشيخ عباس وضجيج الرجال وزفرات النساء تتموج كشعلات النار والكبريت حول دماغه وقف الكاهن وأخذ بساعده وأجلسه على المقعد ثم نادى الخدم بصوت مرتجف قائلا: «اقبضوا على هذه المرأة التي تتهم سيدكم زورا وجروها مع هذا الشاب الكافر إلى غرفة مظلمة، ومن يعترضكم يكون شريكا لهما بالجريمة محروما نظيرهما من الكنيسة المقدسة.»
فلم يتحرك الخدام من أماكنهم ولم يحفلوا بأوامر الكاهن بل لبثوا جامدين محدقين بخليل المكتوف وراحيل ومريم الواقفتين عن يمينه وشماله كأنهما جناحان قد فتحهما ليطير ويحلق بهما في السحاب.
فقال الكاهن ولحيته تتراقص حنقا: «هل تكفرون بنعمة سيدكم أيها الأجلاف وتجحدون فضله وتنكرونه من أجل فتى مجرم كافر وامرأة عاهرة كاذبة؟» ...
Неизвестная страница