سؤال الفيلم الأساسي تجيب عنه تشارليز ثيرون، عندما يسألها ماكس عما تريد أن تذهب إليه، فتشير إلى فتيات هاربات معها بأنهن يبحثن عن الأمل، وعن نفسها تقول إنها تريد «الخلاص». ورغم أنه لا خلاص حقيقي، ولا أمل موجود في هذا العالم المقفر الذي يأكل بعضه بعضا؛ حيث تنتهي رحلة الفرار باليأس بعد أن تحولت الواحة الخضراء إلى صحراء مقفرة، ولم يبق منها إلا بذور جافة لنباتات لا يوجد مكان لزراعتها، فإن هذه النوعية من الأفلام تكشف جانبا مهما من جوانب الإنسان؛ وهو إصراره على البحث عن أمل حتى لو كان يدرك أنه ليس موجودا.
أفلام ما بعد الكارثة، حتى لو كانت تنتج لمجرد الكسب المادي، فإن الأفكار التي تطرحها - حتى لو كانت قشورا - تكشف هما حقيقيا يجب أن يؤرق كل إنسان، وتطرح سؤالا نعرفه جميعا، لكننا لم نفكر قط في الإجابة عليه: إذا كنا نعرف أننا ذاهبون بهذه السرعة إلى كارثة، فماذا فعلنا لكي نوقفها؟ بالتأكيد لم نفعل شيئا. ربما اكتفينا بمؤتمرات وندوات ومقالات، من باب ذر التراب في العيون، مع أن الأجدر بنا أن نفكر فعلا في «الخلاص»، حتى لو كان على طريقة تشارليز ثيرون.
هابرا كادابرا
يختار وودي آلان في فيلمه الأخير «سحر على ضوء القمر
Magic in the Moonlight » أن يذهب إلى مساحة ذهبية في السينما والحياة عموما، وهي عالم السحرة؛ إذ تظل هذه المساحة هي الأكثر غموضا وإثارة وتشويقا، والأقل تسليطا للأضواء على كواليسها، وهكذا أرادها آلان في فيلمه الجديد، وإن حاول تقديم مفاهيم أخرى للسحر.
وربما يجب هنا أن نفرق بين «السحر » المقصود به ألعاب الخفة، والذي يعتمد في جزء منه على حيلة ذكية وسرعة الأداء والإبهار؛ والسحر الذي يعتمد على النبوءات والشعوذة واستخدام عظام الموتى، والتنبؤ بالموت، وتحضير الأرواح، واستخدام التعويذات الشريرة، كما في عدد من الأفلام المأخوذة عن قصص لستيفن كينج. وإذا غضضنا الطرف عن هذه الأفلام الأخيرة التي تتناول السحر من منطلق مغامراتي بحت، وسعيا لاقتناص مزيد من المشاهدين في شباك التذاكر، وهي كثيرة مثل أفلام «هاري بوتر»، بأجزائها المتتالية، والتي أصبح بعضها من أكثر الأفلام تحقيقا للأرباح في التاريخ، وفيلم «ملك الخواتم» بأجزائه الثلاثة، ثم ثلاثية «الهوبيت»، وعشرات الأفلام الأخرى، التي تتعامل مع السحر باعتباره «تتبيلة» جيدة لفيلم يحطم الإيرادات، فضلا عن الأفلام التي تستخدم السحر - لا سيما السحر الأسود - كمدخل جيد لصناعة فيلم رعب معروف الحبكة مسبقا؛ إذا تغاضينا عن كل هذا، فإننا نجد الأفلام التي تتناول عالم السحرة - لاعبي الخفة - قليلة العدد بشكل ملحوظ.
لكن الجميل في فيلم وودي آلان الأخير ليس أنه يتناول عالم السحرة فحسب، بل إنه يغوص في العلاقات الإنسانية المتشابكة بينهم، طارحا أسئلته الأزلية - التي لا يمل من تقديمها في كل أفلامه - عن الحب والكراهية والخيانة والأرواح والآلهة، ساخرا في الوقت ذاته من الألعاب الروحانية. نحن لسنا أمام سحرة مبهرين كما قدمتهم الأفلام الأخرى، بل أمام أشخاص ضعفاء يقهرهم الحب، فينقلب السحر على الساحر، ويصبح الساحر الحقيقي في الفيلم هو «الحب» الذي يحول كولين فيرث من كاشف للمتآمرين إلى متواطئ معهم.
في الفيلم يأخذنا وودي آلان إلى مناطق أخرى للسحر، غير ألعاب الخفة، وهو ما يمكن أن نعتبره منطقة موازية لتلك التي اصطحبنا إليها أحد أهم الأفلام التي تناولت عالم السحرة «العظمة
The Prestige »، والذي أخرجه كريستوفر نولان؛ حيث تغدو عملية السحر بأكملها ليست أكثر من رغبة في الانتقام، ويصبح السحر هو «سحر الكراهية» الذي يحرك بطلي الفيلم كلا في اتجاه الآخر، كما يسعى المخرج طوال الفيلم لإسقاط الأقنعة عن السحرة واحدا تلو الآخر طوال الفيلم، لكنه يحتفظ بقناع أخير لمشهده الأخير، ليتحول المخرج هنا إلى صانع خفة، وتتحول السينما إلى الماكينة التي تنقل الشخص من عالم إلى آخر.
لكن أكثر الأفلام التي قدمت عالم السحر والخفة بشكل مبهر كان فيلم «الآن أنت تراني
Неизвестная страница