قال: «ألم تر يوقنا قد اختلى به في هذا الصباح؟ فالظاهر أنه علم أن المقوقس مرسل نجدة إليها فأرادوا معالجتها قبل وصول المدد.»
فتحير مرقس وظهر الارتباك على وجهه وأدرك زياد فيه ذلك فقال له: «لا ترتبك، لعلنا نخاطبه بشأن ما تريد غدا بعد وصولنا إلى ظاهر المدينة، فإن الجند يصل إلى الفرما عند الظهيرة، ولا بد قبل المهاجمة من الاستعداد.»
فصبر مرقس على مضض، ثم تركهما وردان وذهب إلى خيمة عمرو للتأهب، فخلا زياد بمرقس وقال له: «مالي أراك مضطربا؟»
قال: «إني والله خائف على سيدتي بعد ما علمت أن يوقنا هذا أراد بها الغدر، وأنه ليس رسول قسطنطين إليها، فلعله يريد اختطافها لنفسه، وقد أرسل رسله لهذه الغاية.»
وفيما هما في ذلك شاهدا هجانا قادما من بلبيس، فحقق مرقس النظر فيه فإذا هو بروفس رسول يوقنا فقال: «هذا يا زياد رسول يوقنا قد عاد من بلبيس، هلم بنا نسأله عن نتيجة مخابرته.» فأسرعا إليه خارج المعسكر حتى لقياه فناداه مرقس، وقد أظهر ارتياحه لرؤيته، وسأله عن جواب أرمانوسة فتبسم قائلا: «إنها في خير، وقد سرت سرورا عظيما بما أخبرتها به، وأخذت في التأهب وإعداد عدتها للمسير، وأمرتني أن أستعجلك الرجوع إليها، وقد أهدتني هدية نفيسة مقابل بشارتي.»
قال ذلك وساق هجينه إلى خيمة يوقنا. أما مرقس فقال لزياد: «ها إن الحيلة قد انطلت على سيدتي، ولا أدري كيف أفعل؟ وقد طلبت الإسراع في ذهابي إليها، ولكنني لا أرى أن أذهب قبل أن آخذ موثقا من عمرو ليدفعن عنها كل سوء.»
قال: «أما أنا فأرى أن تنتظر إلى ظهر اليوم بعد وصول المعسكر إلى ظاهر الفرما، وأنا أبذل الجهد في مقابلة عمرو وعمل المستطاع، فلنقف الآن على هذه الأكمة لنشهد نظام الجند العربي وتأهبه للحرب، وسترى أنهم سيتركون خيامهم وأثقالهم هنا، ويذهبون بأنفسهم وعدتهم فقط.»
فصعدا إلى ربوة ووقفا ينظران إلى الجند وانتظامه، فإذا بالأعلام قد تفرقت كل علم إلى جهة، فحمل وردان علم عمرو بن العاص ومشى في المقدمة، وحمل أميران آخران علميهما، ووقف أحدهما على الميمنة والآخر على الميسرة، فاجتمعت الجنود إلى هذه الأعلام كل إلى أميره، ثم سمعا أصوات المنادين يقولون: «النفير النفير، يا خيل الله اركبي.» فقال مرقس: «وما هذه المناداة؟» قال: «إنهم يدعون الجند، وهذا شعار لهم يقولونه إذا أرادوا الركوب للحرب.» فقال مرقس: «وكيف تعرف هؤلاء الأقوام، وهل هم من قبيلة واحدة ، فإني أرى تشابها في ملابسهم.»
قال: «إن الفرق في لباسهم لا يظهر لك لأنه طفيف، ولكنهم ليسوا قبيلة واحدة، فانظر إلى الذين يحملون النشاب، وهم خفاف سراع، إنهم من رجال اليمن، وهم مشهورون برمي النشاب.»
فقال مرقس: «أرى تنظيم جندهم يشبه نظام جندنا، فهذه المقدمة والجناحان والقلب والساقة، ولكني أعجب لاختلاف ألوان راياتهم خلافا لنا، فإن راياتنا متشابهة.» قال: «علمت أمس من بعض العرب أن الراية الصفراء هي في الغالب راية المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة مع النبي، وهم أول القائمين بنصرة الإسلام، وترى أنهم قد وقفوا في قلب الجند.» فقال مرقس: «ولكنني أرى راية عمرو سوداء.» قال: «إنه ليس من المهاجرين، فقد أخبرني أمس أنه أسلم بعد الهجرة.»
Неизвестная страница