صلى الله عليه وسلم
يقول: «إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرا؛ فإن لكم فيهم صهرا وذمة.» وقد أوصانا الله خيرا بالرهبان والقسيسين إذ قال في كتابه العزيز:
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ، ومن وصايا أبي بكر رضي الله عنه قوله يوصي المسلمين وقد ساروا للجهاد: «وستمرون على قوم في الصوامع رهبان فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم.» فليطمئن القبط أنهم في ذمتنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإنما جئنا لمحاربة الروم، فإذا منعونا حصونهم وأبوا الإسلام أو الجزية وضعنا فيهم السيف حتى يقضي الله ما يشاء وهو خير الحاكمين، فإن الرجل منا ينتظر شهادته، فإذا نالها أقام في النعيم وهو خير له وأبقى، وسأكتب إلى المقوقس كتابا في ذلك.» •••
فقال زياد: «إني لأعجب لحال الإنسان وتقلبات الزمان يا عمرو، ألا تذكر يوم كنا في الجاهلية لا نعرف الدين؟ إني أذكر أياما كنا نعظم فيها أصنام الكعبة ونستخير هبل الأكبر ونذبح الذبائح وعيوننا مغمضة من جهلنا.» فتنهد عمرو وقال: «إن الجاهلية عمى، وإني لأحزن على أيام مرت قبل الإسلام، وأشعر بعظيم ما ربحت بالهداية التي اهتديتها، وأود لكل امرئ مثل ما كسبت.» فقال زياد: «وكيف كان إسلامك؟» قال: «أما إسلامي فجاء متأخرا، وقد كنت من أعداء النبي
صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما قام يدعو الناس إلى التوحيد اضطهدته قريش، وشددوا النكير عليه حتى اضطر أصحابه أن يهاجروا إلى النجاشي ملك الحبشة فأمنهم، ثم أرسلتني قريش ورفيقا لي بهدية إلى النجاشي ليسلم لنا المهاجرين، فأبى وكان عونا لهم علينا، فعظم عندي أمر صاحب الدعوة، ووقعت في نفسي رهبة منه، لكني بقيت على دين الجاهلية إلى السنة الثامنة للهجرة، وكنت في أثناء ذلك أفكر في أمره
صلى الله عليه وسلم ، فوجدت أعماله ناطقة بصدق دعوته، فاجتمعت يوما بخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة العبودي، وهما لم يسلما بعد، فقلت لخالد: «أين يا أبا سلمان؟» قال: «والله لقد استقام الميسم، إن الرجل لنبي. اذهب والله فحتى متى؟» فقلت: «ما جئت إلا للإسلام»، فقدمنا على النبي
صلى الله عليه وسلم
فتقدم خالد فأسلم، ثم تقدمت أنا، وكانت أول مرة لقيته فيها وجها لوجه، فملكتني الهيبة لمنظره ولما جمع الله فيه من المحاسن.»
فاشتاق زياد لمعرفة أوصاف النبي فقال: «وما الذي أرهبك منه؟ وما هي أوصافه؟»
فقال عمرو: «والله يا زياد، إني لا أنسى ساعة لقيته فيها، فإن صورته لا تزال مرسومة على لوح صدري منذ رأيته يوم جئت ألتمس الإسلام، وأما صفاته فهو ليس بالطويل ولا بالقصير، ضخم الرأس واللحية، شثن الكفين والقدمين، مشرب بالحمرة، وكان لما لقيته واقفا، فمشى فإذا هو يتكفأ كأنما ينحط من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله، وكان أدعج العينين، سبط الشعر، سهل الخدين، إذا التفت التفت جميعا، ولعله كان إذ ذاك قائما من الصلاة، وقد تحدر العرق على وجهه كاللؤلؤ الرطب، وفوق كل ذلك فإن الهيبة كانت تجلله فلم أستطع النظر إليه طويلا، فوقفت بين يديه فقال لي: «ما جاء بك يا عمرو؟» قلت: «جئت أطلب الهداية يا رسول الله»، قال: «أتريد الإسلام؟ إذن قل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله»، ثم دخل عثمان بن طلحة فقال مثل قولي، وصلينا جميعا، وقد شعرت والله يا زياد بغشاوة انقشعت عن عيني ساعة الشهادة .»
Неизвестная страница