فحملق وقد احمرت عيناه وقال: «كيف تقولين إني أتردد وأنا أقول لك إنه لا شيء يمنعني من نيلها إلا الموت.» ووضع يده على قبضة حسامه وقال: «مادام هذا الحسام إلى جانبي فلن يحولني شيء عن ودها ولو قاومني قسطنطين، بل لو قامت علي جنود أبيه برمتها، فما أنا براجع عن عزمي إلا إذا كانت هي راضية به، ولكن من يخبرني بما في ضميرها.»
فأدركت بربارة أنه مصمم على الاقتران بها ولو حالت دونه المصاعب فقالت: «إن في معرفته حلا لهذه المشكلة.»
قالت: «هب أنها لا ترضاه وأنها باقية على حبك، فما عقبى ذلك؟»
فالتفت إليها وقد استل حسامه وهزه قائلا: «أما إذا تحققت بقاءها على ودي فإني أحارب في سبيل الوصول إليها جنود هرقل كلها، ولا أنفك حتى أنالها أو أقتل.»
قالت: «خفف عنك، واعلم أن ليس دون ذلك جنود هرقل فقط، ولكن دونه أيضا غضب أبيك وأبيها.»
فقال: «ولكن إذا كان قلبها مثل قلبي فإننا لا نخشى شيئا، ولو قامت علينا جيوش الدنيا كلها، فأخبريني عن كنه نيتها، وليكن في كلامك هذا القول الفصل، فإما أن أوطن النفس على أرمانوسة وأناضل عنها بحد هذا السيف، وإما أن أقول عليها وعلى الدنيا السلام. قولي ولا تطيلي الكلام.»
فلما رأت ما هو فيه من الغضب نظرت إليه مبتسمة وقالت: «إذا كنت تحب أرمانوسة فتفضل واجلس لأنبئك بمكنون قلبها.»
فأجابها وقد هدأ غضبه: «نعم إني أحبها. قولي إذن.» وجلس.
فقالت: «اعلم يا سيدي أن أرمانوسة تحبك حبا ليس بعده غاية لمستزيد، أما قسطنطين فهي لا تعرفه، ولكن قلبها عالق بأركاديوس البطل الهمام، ولم آت هذا الدير إلا لأستطلع مكنونات قلبك وأعلم مقدار حبك لها. أما وقد عرفت ذلك فقد هان الصعب وخاب قسطنطين، ولن يدرك شعرة من رأسها، وها أنا ذا قد أخبرتك الحقيقة فتدبر الأمر، ولا ريب عندي أنها ثابتة في حبك ولا ترضى عنك بديلا، مهما يكلفها ذلك من المشاق، وبخاصة إذا علمت بما دار بيننا قبل مجيئي إليك، وقد فارقتها على أن أقابلك ونتواطأ على وسيلة تنقذها من مخالب ذلك الرجل.»
فأبرقت أسرة أركاديوس ونظر إلى بربارة وقد فرح قلبه وأشرق وجهه وقال: «أما والحال على ما تقولين فلا نخاف أحدا، وأنا لها وهي لي، ولا عبرة بما يسعى فيه الناس، فهم إنما يضربون في حديد بارد. أما قسطنطين فإذا لم يؤخذ بسيوف العرب في حرب الشام فإني قاتله بحد هذا الحسام، ولكنني أحب أن تعلم أرمانوسة ذلك لتزداد ثباتا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وما عليك الآن إلا أن تذهبي إليها وتخبريها بعزمي وتقولي لها إن أركاديوس حبيب ثابت في محبتك ثبات الجبال، فاثبتي أنت وانتظري الفرج من عند الله ومن سيف أركاديوس.»
Неизвестная страница