فقال يحيى: «لا تعجب يا بني من اجتماعنا في منزل أرمانوسة، فإننا عالمون بما في نفسك على حميك، وما كان في نفسه هو على جماعة الروم، وكلاكما معذور، وقد علمنا بما عقده الله بينك وبين أرمانوسة من الروابط المقدسة فأردنا التوسط بينك وبين حميك ليفهم كل منكما الآخر، فأنت الآن بمنزلة ابنه وهو بمنزلة أبيك.»
فقال المقوقس: «يعلم الله يا ولدي أنني أطلت البال، وصبرت صبر الرجال، وأنا رومي الأصل مثلك، ولكنني رأيت ذل القبط فأغثتهم فلم تصغ الدولة لصراخنا ولا سمعت بكاءنا، وهذا أخي يحيى العالم شاهد على ما أقول. أما أنت فما برحت منذ عرفتك أشهد بشهامتك ومروءتك لأنك لم تأت عملا تلام عليه.»
فقال أركاديوس، وقد صفا قلبه: «نعم يا عماه، إني مثل ولدك، ويكفيك شفيعا عندي أنك والد أرمانوسة، وأنا وهي الآن واحد.»
فقال مرقس: «ما بالكم حجبتم أرمانوسة عنه وحجبتموه عنها؟»
ولم يتم كلامه حتى دخلت بربارة وهمت بيدي أركاديوس تقبلهما، ودخلت أرمانوسة على استحياء وعيناها ذابلتان لما قاسته في صباح ذلك اليوم، ولم تستطع إظهار عواطفها، فسلمت فنهض يحيى وأمسك بيد أركاديوس وأمسك المقوقس بيد أرمانوسة وجعلا يد كل من العروسين بيد الآخر وقال يحيى: «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان.»
وفي صباح الغد هنأهم عمرو بن العاص، وخير أركاديوس بين الإقامة في الإسكندرية أو بأي مدينة أخرى، فاستمهله حتى يكتب إلى أبيه، فكتب إليه مع رسول أنفذه إلى القسطنطينية، فعاد الرسول بنبأ موت أبيه في السجن ظلما بلا محاكمة، فبكاه وكره القسطنطينية وأهلها وفضل البقاء بالإسكندرية.
وكان عمرو قد كتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب بفتح الإسكندرية، وسأل عن المكان الذي يقيم به، فكتب إليه: «إني لا أحب أن تنزل المسلمين منزلا يحول الماء بيني وبينهم شتاء ولا صيفا، فمتى أردت القدوم إليكم فإني أركب راحلتي حتى أقدم إليكم.»
وكان بين الإسكندرية والحجاز نهر النيل، فانتقل عمرو إلى حصن بابل، وكان الفسطاط الذي تركه هناك لا يزال باقيا وقد عشش فيه اليمام، فخيم حوله ونصب الأعلام وبنى هناك مدينة سماها الفسطاط، وهي أول عاصمة للمسلمين في مصر. أما أركاديوس فاختار الإقامة بالإسكندرية، وعاش مع عروسه في رغد، ومعهما بربارة ومرقس وأهله.
Неизвестная страница