وكل هذا بسبب دناوته، وسواد الشاي في الكوب، وأفعوانية طنطاوي، وبسمته الزرقاء، ودعوته التي لم يفكر في رفضها.
ليس هناك نوم؟ طيب.
ورجال البلدة الخناشير قد انكفئوا يغطون من زمان، وتركوا الليل لصغارهم الملاعين ، فماذا يفعل عبد الكريم؟
يسهر؟ وأين يسهر؟
صحيح؟! أين يسهر؟
هل يلعب «الاستغماية» مع الأولاد؟
أو تزفه البنات وهن يقلن: يا ابو الريش انشالله تعيش؟ صحيح أين يسهر؟ وهو أنظف من الصيني بعد غسيله، وليس معه قرش صاغ واحد، حتى يذهب إلى «غرزة» أبو الإسعاد، ويطلب القهوة على البيشة، ويتبعها بكرسي الدخان، ويجلس ما شاء بعد ذلك على ريحة القهوة والكرسي، يراقب حريفة «الكوتشينة» من صبيان المحامين، ويستمع إلى ما لا يفهمه في الراديو، ويضحك ملء قلبه مع السباعي، ويلكز أبا خليل وهو يقهقه، ثم ينتقل إلى مجلس المعلم عمار مع تجار البهائم، وقد يشارك في الحديث عن سوقها التي ركدت ونامت.
ليس معه قرش! جازاك الله يا طنطاوي!
وهو لا يستطيع أن يخطف رجله إلى الشيخ عبد المجيد؛ حيث يجده متربعا والمدفأة أمامه، والكنكة النحاسية تغلي وتوشوش على مهل، والشيحي جالس بجواره، يقص بكل ما في صوته من رنين، ما حدث في الليالي التي شاب لها شعره، والأيام التي انقضت وأخذت معها بضاعته من عقول الناس القدامى الفارغة الطيبة، وجعلته يتوب عن النصب والسرقة، وقلع الزرع على أيدي النماردة من سكان هذا الجيل.
لا يستطيع أن يتنحنح ويطرق باب الشيخ عبد المجيد؛ لأنه أول الأمس فقط، دفع الرجل من فوق مدار الساقية، فأوقعه في الحوض، وأضحك عليه الشارد والوارد، لما دب الخلاف بينهما على مصاريف إصلاح الساقية، ومن ساعتها ولسان الشيخ لا يلافظ لسانه.
Неизвестная страница