وقال المحامي رأيه، وحينئذ مط الجار ابتسامته على آخرها، وقال: طيب لو سمحت بقى ولو فيها مضايقة بس تكتب لي مذكرة، الكلمتين اللي قلتهم سيادتك دلوقتي كفاية قوي، أصل الحكاية عقدة وصعبة، دوخت المحاميين، والنبي أنا خايف أكون بضايقك، طب بزمتك؟ وحياة والدك مانتاش مضايق؟ لا لا، متتعبشي نفسك يا أستاذ، القلم أهه وآدي الورقة يا سيدي، متشكرين قوي، متشكرين خالص، عاجزين عن الشكر، يا سلام، دي فرصة سعيدة، بيقولوا رب صدفة خير من ألف ميعاد، بقى حضرتك ما تعرفش الأستاذ «...» ياه، دنيا، دا كان أعز أصحابي.
وكتب الأستاذ المذكرة وهو يفور ويمور وينفخ.
واعتزم أن يترك المقعد الذي كان يجلس فيه، وأن يبحث له عن آخر بعيد كل البعيد عن هذا الجار، حتى لو اضطره الأمر أن يتخلف عن العربة.
وأفلح الأستاذ في اغتصاب مكان، وظل قلبه مع هذا في مهب الريح مخافة أن يكون الجار الجديد أحد المتحدثين الذين سواء عرفوه أم لم يعرفوه، فأسئلتهم لا تهدأ ولا تنتهي، ولكن الجار كان رجلا طيبا صموتا ما فتح فمه، ولا حتى ألقى ناحيته بنظرة، ولو على سبيل المجاز.
ورغم أن الدنيا كانت قيظا، والعربة أصبحت كالفرن الذي ليس له مدخنة، والغبار من كثرته صار له لسع الناموس، وأزيز الذباب، والمقاعد عليها بحور عرق في وسطها ناس، رغم هذا فقد استراح الأستاذ لصمت الجار الراحة كلها، وأحس بقلبه ينعنشه ثلج بارد.
وراحت العربة تئن وهي تقطع الطريق الملتوي الطويل، وشعر الأستاذ بعد قليل أنه يود معرفة الساعة التي ستصل العربة فيها، وكان ممكنا أن يسأل جاره ببساطة، ولكنه لم يشأ هذا حتى لا ينبش الجار فيفتح فمه، ولا يقفله أبدا.
ولكن في مطب من المطبات الكثيرة مال الأستاذ على الجار، فكاد يوقعه وكلمة من هنا، واعتذارات من هناك تعرفا، واتضح للأستاذ أن جاره دكتور، واكتفى الأستاذ بالذي كان فأغلق باب الحديث، وأحكم الإغلاق.
وانتهت المطبات، وسارت العربة كالريح، والأستاذ صامت، وجاره صامت أيضا، ولكن بعد وقت تذكر المحامي شيئا، ونسي قراره فابتسم وقال لجاره: الا حضرتك بقى دكتور في الطب، والا في ...
وحين وصلت العربة إلى القاهرة، وغادرها الركاب كان الأستاذ لا زال يقول للطبيب: لا لأ، متتعبشي نفسك، بلاش روشتة، آدي القلم والورقة، اسند هنا على ضهر العربية، بس والنبي عايز دوا يقضي عليه، دا مغلبني قوي الصداع ده، زي ما قلت لحضرتك، من سنة 36، والروشتات أهيه، اوعى أكون ضايقتك يا دكتور والنبي؟ متشكرين، متشكرين قوي، بقى حضرتك بتشتغل في إسكندرية، يا سلام عالصدف السعيدة، يا سلام!
الهجانة
Неизвестная страница