135

مستحكمة في المرضى اكثر مما هي في الاصحاء ، وفي الصغار اكثر مما هي في الكبار ، وفي الشيوخ اكثر مما هي في الشبان . فالشجاعة عكس الغضب تماما . ومن كانت فيه رذائل اخلاقية كان اسرع الى الغضب ممن فيهم فضائل اخلاقية ، اذ يكون البخيل اسرع في الغضب من غيره اذا تعرض ماله وثروته للخطر .

هذا من حيث مبادئ الشجاعة والغضب وما يوجبهما ، وهما من حيث الآثار والنتائج مختلفان ايضا . فالغاضب ، وهو في حال ثورة غضبه ، يكون اشبه بالمجنون الذي فقد عنان عقله ، ويصبح مثل الحيوان المفترس الذي لا تهمه عواقب الامور ، فيهجم دون ترو او احتكام الى العقل ، فيسلك سلوكا قبيحا ، يفقد سيطرته على لسانه ويده وسائر اعضائه ، وتلتوي شفتاه في هيئة قبيحة بحيث انه لو اعطي مرآة ، لخجل من صورته التي يراها فيها .

ان بعض اصحاب هذه الرذيلة يغضبون لأتفه الامور ، بل يغضبون حتى على الحيوانات والجمادات ، ويلعنون حتى الريح والارض والبرد والمطر وسائر الظواهر الطبيعية اذا كانت خلاف رغباتهم . ويغضبون احيانا على القلم والكتاب والاواني فيمزقونها او يحطمونها . اما الشجاع فهو بخلاف ذلك تماما . فاعماله لا تكون الا عن روية ووفق ميزان العقل وطمانينة النفس . يغضب في محله ، ويحلم في محله ، لا تهزه التوافه ولا تغضبه . واذا غضب غضب بمقدار ، وينتقم بعقل ، ويعرف كيف ينتقم ومتى وممن ؟ وكيف يعفو ومتى وممن ؟ وفي حال غضبه لا يفقد زمام نفسه ، ولا يبادر بالكلام البذيء ولا بالاعمال القبيحة ، ويزن كل اعماله بميزان العقل والشرع والعدل والانصاف ، ويخطو خطوات لا يندم عليها بعد ذلك .

فعلى الانسان الواعي ان لا يخلط بين هذا الخلق الذي يتصف به الانبياء والاولياء والمؤمنون ، ويعد من الكمالات النفسية . والخلق الآخر الذي هو من النقائص والصفات الشيطانية ومن وسوسة الخناس . الا ان حجاب الجهل وعدم المعرفة وحب الدنيا وحب الذات ، يعمي عين الانسان ويصم اذنه ويلقيه في المسكنة والعذاب .

وهناك اسباب اخرى ذكروها للغضب ، مثل العجب والزهو والكبرياء والمراء والعناد والمزاح وغيرها مما يطيل البحث الدخول في تفاصيلها ، ولعل اكثرها ينطوي تحت هذين الموضوعين المذكورين بصورة مباشرة او غير مباشرة . والحمد لله .

Страница 139