Арам Дамаск и Израиль: в истории и библейской истории
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Жанры
إلا أن هذا التوسع في المستقرات الزراعية الجديدة لم يأت نتيجة لاقتلاع السكان الأصليين واستبدالهم بسكان جدد وافدين على المنطقة، لأن المخلفات المادية لعصر الحديد الثاني تظهر أيضا انتماء كاملا للثقافة المحلية في البرونز الأخير وفي الحديد الأول. أما عن أصل السكان في هذه المراكز السكنية الجديدة، فيبدو أنهم أتوا من ثلاثة مصادر؛ فأولا: هناك التزايد المحلي السريع للسكان بتأثير الأحوال المناخية المؤاتية، وما تبعها من انتعاش الزراعة والأوضاع الاقتصادية عامة. وثانيا: هناك شريحة لا بأس بها من السكان الزراعيين الذين أتوا من المناطق المجاورة ليهوذا. وثالثا: هناك جماعات رعوية وفدت إلى يهوذا من المناطق الرعوية الشرقية والجنوبية، وتحولت إلى حياة الاستقرار. وقد شكلت هذه الجماعات جزءا لا يستهان به من سكان يهوذا، على عكس منطقة الهضاب المركزية التي لم تساهم الجماعات الرعوية إلا بنسبة قليلة من تركيبها السكاني.
3
لقد شهدت منطقة يهوذا خلال القرن العاشر وأوائل القرن التاسع تحولا من اقتصاد يقوم على الرعي إلى اقتصاد القرية الزراعية، مع بقاء النشاط الرعوي الذي استمر في لعب دور مهم في اقتصادياتها وحياتها الاجتماعية. وخلال القرن العاشر والتاسع قبل الميلاد حدث تزايد سريع في السكان أدى إلى توضيح البنية السياسية لمرتفعات يهوذا كمنطقة موحدة بقيادة أورشليم، إلا أن الدولة التي نعرف عنها من النصوص الآشورية لأواخر القرن الثامن قبل الميلاد، لم تكن قد تشكلت بعد. إن الاعتماد المتزايد على الزراعة المكثفة قد خلق ازدهارا اقتصاديا، وقاد إلى تكوين شبكة تجارية محلية اتصلت تدريجيا بالطرق التجارية الدولية، وذلك من أجل تسويق سلع التبادل النقدي من زيوت وأخشاب وخمور ولحوم. غير أنه من المستبعد أن تكون الفترة الانتقالية بين الحديد الأول والحديد الثاني قد شهدت قيام مدينة قوية، وذات تعداد سكاني يسمح لها بالسيطرة على بقية المراكز الحضرية في يهوذا؛ ذلك أن زيادة عدد السكان وطريقة توزع هذه الزيادة كان مؤشرا على دخول المنطقة في فترة استقرار وازدهار نسبي، وعلى قيام تنافس اقتصادي لم يؤد بعد إلى نزاع حول الموارد، التي كانت في طور النمو.
4
لقد لعبت أورشليم خلال عصر البرونز دور المركز التجاري المسيطر على المنطقة المحيطة بها، كما لعبت دور السوق التجارية للمراكز الحضرية الواقعة إلى المناطق الغربية، مثل جازر ولخيش. ومع أن أورشليم قد نجحت في عبور فترة الجفاف خلال الفترة الانتقالية من البرونز الأخير إلى الحديد الأول، وشاركت بشكل فعال في عودة النمو الاقتصادي إلى المنطقة، إلا أنها لم تكن، حتى أواخر القرن العاشر قبل الميلاد وأوائل القرن التاسع، أكثر من بلدة صغيرة لم تبلغ بأي معيار أو مقياس مبلغ المدن الكبرى. ويبدو أن موقعها المنعزل قد ساعدها على حفظ استقلالها، ولكنه عمل أيضا على حصر نفوذها السياسي ضمن منطقتها بشكل رئيسي. وبعد فترة الكمون التي مرت بها المدينة خلال الكارثة المناخية والاقتصادية أخذت أورشليم بالتطلع إلى مناطق يهوذا الواقعة إلى جنوبها، وكان ذلك بدافع التوسع الاقتصادي والتجاري لا بدافع التوسع السياسي. من هنا، فإن قيام أورشليم ببسط سيطرتها السياسية على يهوذا قد جاء عقب اكتمال عملية استيطان المنطقة بشكل واسع ولم يكن سابقا عليه.
استغرقت عملية الاستيطان في منطقة يهوذا كامل القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد، وأعقب ذلك ارتفاع في الإنتاج الزراعي والحيواني، جعل من يهوذا المصدر الرئيسي لسلع التبادل النقدي مع المراكز الحضرية في الغرب، ومع حبرون في الجنوب، وأورشليم في الشمال. وهذا ما وضع مدينة أورشليم في منافسة مباشرة مع هذه المدن من أجل السيطرة على المراكز الزراعية في منطقة يهوذا، والتي لم تكن تخضع لأي نوع من المركزية السياسية. ولكن المعلومات المتوفرة لدينا تشير إلى أن الوضع السياسي لمنطقة يهوذا قد بقي على حاله حتى العقود الأخيرة من القرن الثامن قبل الميلاد، عندما بدأت أورشليم تكتسب بالفعل ملامح المدينة الكبيرة. وقد ساعدها على ذلك أفول نجم السامرة، ودمار لخيش على يد آشور، وقيام الآشوريين بتنظيم تجارة الزيت في المراكز الرئيسية لإنتاجه على الساحل. كما ساعد على ذلك أيضا التغيير الجذري في الوضع السياسي لفلسطين الكبرى، واستيعاب أورشليم لأفواج النازحين من مناطق التدمير الآشوري إبان عهد تغلات فلاصر الثالث وصارغون الثاني، كما سنرى بعد قليل. وهكذا ظهرت مملكة يهوذا بقيادة النخبة السياسية والاقتصادية في مدينة أورشليم التي تحولت إلى مركز سياسي إقليمي كبير. وقد بدأت المدينة عهدها هذا عميلا لآشور، ثم قادها التدخل المتزايد في شئون التجارة الدولية إلى حتفها بعد قرن ونصف القرن تقريبا من ظهورها على مسرح الأحداث.
5
وسنعود الآن إلى متابعة أحداث القرن الثامن، ودخول مملكة يهوذا ذلك المسرح. (2) الحروب الأخيرة بين دمشق وآشور
لقد دفعت دمشق الجزية للملك أدد نيراري الثالث عام 796ق.م. ثم تمردت على آشور بعد موت أدد نيراري فأخضعت ثانية في عام 773ق.م. وقد بدا لآشور بوضوح بعد هذا التمرد أن الوضع في منطقة دمشق وسوريا الغربية والجنوبية لن يستقر إلا بعد إلحاق دمشق بآشور وحكمها بطريقة مباشرة. وكان على هذه الخطة أن تنتظر صعود ملك قوي جديد.
في عام 745ق.م. ارتقى عرش آشور الملك تغلات فلاصر الثالث (745-727ق.م.) وكان عهده فاتحة لعصر الإمبراطورية الآشورية التي دامت بعده قرنا من الزمان، وامتدت من إيران ضمنا في الشرق إلى مصر ضمنا في الغرب، ومن الأناضول ضمنا في الشمال إلى أواسط شبه الجزيرة العربية في الجنوب. وقد أسس تغلات فلاصر لسياسة ضم الأراضي المقهورة بالقوة إلى التاج الآشوري، وحكمها بواسطة ولاة آشوريين معينين عليها، يقومون بدور نائب الملك. كما أسس هذا الملك لسياسة الترحيل المنظم للشعوب المغلوبة، وإحلال جماعات متنوعة محلها يتم اختيارها من الشعوب المغلوبة الأخرى. وقد شملت عمليات التهجير الإجباري أكثر من 100 شعب، بما في ذلك الآشوريون أنفسهم الذين فتحت أمامهم فرص الهجرة والاستقرار في أفضل الأراضي الشاغرة من سكانها. وبذلك تمكن الآشوريون أخيرا من حكم الممالك الثائرة بعد أن فقدت تكوينها الإثني والسياسي، وبعد أن غيرت آشور الخريطة الديمغرافية للشرق القديم بكامله.
Неизвестная страница