Арам Дамаск и Израиль: в истории и библейской истории
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Жанры
15
وفيما يتعلق بالمواقع التي عثر فيها المنقبون في فلسطين على آثار دمار خلال هذه الفترة الانتقالية، فيبدو أنها قد تهدمت بشكل طبيعي نتيجة إفراغها من السكان، ووقوعها عرضة للعوامل الطبيعية، ولم تكن بحاجة إلى غزاة من الخارج لإتمام ما ابتدأته الطبيعة.
حوالي عام 1950ق.م. انتهت فترة الجفاف، وأعقبتها فترة باردة ومطيرة أدت إلى ازدهار اقتصادي عام في جميع أنحاء سوريا، فازداد عدد السكان بشكل واضح، وأعيد سكن المناطق التي هجرت إبان الفترة الانتقالية، كما أعيد بناء وسكن المدن المهدمة. وفي مصر ارتفع منسوب فيضان النيل، وعادت الحياة الزراعية سيرتها الأولى تحت سيطرة الأسرة الثانية عشرة التي أسست المملكة المتوسطة. وفي بلاد الرافدين يبدو أن الأسرة الآمورية - التي شكلت الدولة البابلية القديمة (وأشهر ملوكها حمورابي) - قد قامت على أساس اقتصادي راسخ يسمح بتشكيل مثل هذه القوة الجديدة والكبيرة في الشرق القديم. وقد تطابقت بداية فترة الازدهار هذه مع بداية عصر البرونز الوسيط، الذي استمر من 1950 إلى 1600ق.م. (أو 1550ق.م.) وبشكل عام تبدي الفترة الانتقالية في سوريا ارتباطا حضاريا واضحا مع عصر البرونز المبكر، الأمر الذي ينفي بشكل قاطع نظرية الغزوات البدوية، ويؤكد على استمرارية سكانية غير منقطعة، وعلى مقدرة التركيب السكاني المحلي على استيعاب الجماعات الخارجية وهضمها. وبشكل خاص، فإن الثقافة المحلية في فلسطين تبدي، وأكثر من أي مكان آخر في سوريا، هذه الاستمرارية الثقافية والسكانية خلال النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد.
16
كما تظهر لنا المخلفات المادية للبرونز الوسيط استمرارية حضارية مشابهة مع الفترة الانتقالية ومع البرونز المبكر. وإضافة إلى هذه الاستمرارية الحضارية، فإن عصر البرونز الوسيط في سوريا يعطينا صورة لوحدة ثقافية تامة تجمع كل المناطق في بوتقة واحدة، فمن أوغاريت وكركميش في الشمال وحتى أطراف الصحراء في الجنوب تبدو الروابط واضحة في كل أثر مادي، سواء في الفخار أو الفنون التشكيلية المختلفة، أو فن العمارة أو تقنيات إنشاء الأسوار الدفاعية. ورغم أن المنطقة قد استوعبت إليها تحركات بشرية واسعة من الخارج، إلا أن الطابع الثقافي المحلي بقي سائدا ومتماثلا في جميع أنحائها، واستمرت الثقافة الكنعانية في مسيرتها لتتجاوز البرونز الوسيط إلى البرونز الأخير فعصر الحديد.
17
شهد عصر البرونز الوسيط (1950-1600ق.م.) قيام الدولة البابلية القديمة في بلاد الرافدين تحت لواء أسرة حاكمة آمورية وفدت من سوريا. غير أن هذه الدولة الجديدة لم تكن إلا استمرارا لدولة أور الثالثة، ولدولة صارغون الأكادي من قبلها، ولم يكن الآموريون هنا سوى طبقة حاكمة تبنت كل التقاليد الثقافية السومرية الأكادية في الدين والفنون والآداب واللغة، ولم تكن اللغة البابلية القديمة إلا أكادية معدلة بعض الشيء. كما شهد هذا العصر قيام دويلات مدن قوية في سوريا، مثل كركميش على الفرات في أقصى الشمال، وماري على الفرات الأوسط، وآلالاخ في سهل العمق غربا في منطقة أنطاكية، وقطنة وقادش في سوريا الوسطى بمنطقة حمص. ورغم أن أسرا حاكمة آمورية قد حكمت في معظم هذه المدن، إلا أن الطابع الثقافي الكنعاني للبرونز المبكر قد استمر هنا استمرار الطابع الثقافي الأكادي في وادي الرافدين. ومن أهم الحكام الآموريين الذين ظهروا على المسرح السياسي مع بدايات عصر البرونز الوسيط: الملك شمسي هدد الأول، وهو شخصية عسكرية وإدارية متميزة، ظهر بشكل مفاجئ في أواخر القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ووحد منطقة حوض الخابور وشمال بلاد الرافدين، من المنعطف الكبير لنهر الفرات غربا إلى سفوح جبال زاغروس شرقا. وكانت آشور - التي استولى عليها هذا العاهل، واعتلى عرش ملوكها في عاصمتها - قلب هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف، غير أن شمسي هدد لم يختر الإقامة في العاصمة الآشورية، بل عمل على بناء عاصمة جديدة له في حوض الخابور الأعلى، أطلق عليها اسم شوباط إنليل، وقد تم اكتشاف هذه المدينة في موقع تل ليلان في أقصى الشمال الشرقي من الحدود السورية الحالية.
وفي فلسطين نضجت البنى الأساسية للمدن التي كانت أشبه بالقرى خلال الألف الثالث، وأخذت هذه البنى تتشكل تدريجيا وفق نظام دولة المدينة الذي كان سائدا في بقية المناطق السورية لوقت طويل مضى. ونستنتج من النصوص المصرية العائدة لفترة المملكة المتوسطة قيام أسر حاكمة في عدد من المدن الكبرى، إلا أن هذه المدن - من أمثال شكيم وحاصور ومجدو - لم تصل في حجمها وفي قوتها إلى ما وصلت إليه بقية المدن السورية، ولم تتجاوز في توسعها الحد اللازم لحياة مركز إقليمي يقدم خدمات التسويق والصناعة الحرفية، والدفاع المحلي للمنطقة الصغيرة المحيطة به، والقرى الدائرة في فلكه. ورغم أن زراعات بعض المناطق الفلسطينية قد تركزت حول سلع التبادل النقدي، مثل الخمور والزيوت، وما يستتبع ذلك من توسيع لأسواقها المحلية، ورغم قيام تحالفات سياسية عائلية بين حكام المدن الكبرى، وظهور نوع من الهرمية في ميزان القوى بشكل عام؛ إلا أن هذا كله لم يؤد إلى نشوء دولة قوية تبسط سلطانها على عدد من المدن والمناطق التابعة لها. ومن ناحية أخرى، فإن الثقافة الفلسطينية في عصر البرونز الوسيط تظهر تأثرا واضحا بالثقافة المصرية، لا سيما في المناطق الجنوبية، إلا أن هذا التأثير يمكن تفسيره بالقرب الجغرافي والتبادل التجاري، ولا يوجد لدينا أي دليل على وجود سلطان سياسي مصري مباشر على فلسطين خلال البرونز الوسيط. وفي الحقيقة، فإن طرق الاتصال بين فلسطين ومصر كانت مفتوحة منذ الألف الخامس قبل الميلاد، وكانت الدلتا المصرية منذ ذلك الحين تستوعب أعدادا متزايدة من الآسيويين القادمين إليها من فلسطين أو عبرها، إلى أن صارت منطقة شبه آسيوية مع حلول عصر البرونز الوسيط. ويبدو أن الهكسوس - الذين استولوا على مصر وأسسوا أسرا حاكمة آسيوية فيها، فيما بين 1730 و1570ق.م. - لم يأتوا من أي مكان خارج مصر، بل من الدلتا نفسها.
18
سوريا وفلسطين في عصر البرونز المتأخر.
Неизвестная страница