Критические взгляды на проблемы мысли и культуры
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
Жанры
والاعتقاد بأن الشعب اليهودي شعب مختار وعده الله منذ ألوف السنين بأرض فلسطين هو الذي يبرر للصهيونية طرد العرب من ديارهم واستغلال من بقي منهم أسوأ استغلال بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية. •••
فإذا صح أن التعصب - في عالمنا المعاصر - هو في أساسه تبرير ظاهري لعلاقة الاستغلال التي تمارسها فئة قوية على فئة أخرى تحتل - لسبب أو لآخر - مركزا أسوأ، كانت النتيجة الحتمية المترتبة على هذا هي أن الكفاح ضد التعصب لا يمكن أن يكون كفاحا إصلاحيا يتم على مستوى الوعظ الأخلاقي، بل هو في أساسه كفاح أيديولوجي واجتماعي وسياسي يؤلف جزءا لا يتجزأ من إطار أوسع، هو نضال الإنسان المعاصر في سبيل التحرر من كافة أشكال الاستغلال.
مشكلة الكم والكيف والثقافة1
في 13 نوفمبر 1965م نشرت مجلة «الاشتراكي» مشروع دستور ثقافي، يستهدف توحيد فكر المثقفين حول قضايا أساسية، وفي المقال التالي يناقش المؤلف قضية رئيسية ورد ذكرها في المشروع المشار إليه، وهي قضية الكم والكيف في الثقافة. ***
لا أخفي على القارئ أنني فوجئت بالنص الذي تضمنه مشروع الدستور الثقافي - كما نشرته مجلة «الاشتراكي» - عن مشكلة الكم والكيف، وأعدت قراءة هذه الفقرة مرارا حتى أتأكد مما تضمنته من معان، ولا أخفي على القارئ أيضا أنني عندما قرأت أول عبارة تضمنها هذا المشروع حول هذه المشكلة - وهي «الرجعيون وحدهم هم الذين يدعون إلى تغليب الكم على الكيف في الأعمال الفنية» - كان إحساسي مزيجا من الدهشة والارتياح؛ أما الدهشة فلأن كثيرا من «الدساتير الثقافية» أو «المنشورات الفنية» أو ما يشابهها من البيانات التي تعلن مبادئ عامة يلتزمها المثقفون في عدد غير قليل من البلدان الاشتراكية، تتضمن تأكيدا عكسيا، أي إنها تذهب إلى أن الرجعيين هم الذين يدعون إلى تغليب الكيف على الكم. وأما الارتياح فلأن واضعي هذا المشروع لم يقعوا - لحسن الحظ - في هذا الخطأ الذي وقع فيه كثير من الاشتراكيين في بلدان أخرى، وإنما حذرونا بأشد لهجة من الاعتقاد بأن الانتشار العددي للإنتاج الفني هو أمر أجدر بالاهتمام من ارتفاع مستواه من حيث النوع. •••
أما أن تغليب الكم على الكيف خطأ فادح يقع فيه كثير من الاشتراكيين في البلدان الأخرى، فذلك ما يتضح من الارتباط الوثيق الذي يقيمه هؤلاء بين كل ما له قيمة وكل ما هو شعبي، وهذا أمر يمكن أن يصدق على مجالات متعددة، ولكنه لا يصدق على مجال الفن والأدب والثقافة بوجه عام؛ فليس يكفي أن يكون العمل الفني منتشرا على نطاق شعبي لكي يكون عملا قيما؛ إذ إن هناك أعمالا لا يمكن أن يكون جمهورها كبيرا، ومع ذلك تعد أعمالا رفيعة بحق. وبعبارة أخرى فقد اعتقد كثير من الاشتراكيين أن شعبية العمل الفني هي دائما هدف ينبغي أن يتجه إليه الفنان، وحكموا بالتالي على الأعمال التي لا تلقى إقبالا واسعا بأنها انعزالية أرستقراطية، أي بأنها رجعية، وبذلك ربطوا بين الرجعية وبين تغليب الكيف على الكم.
غير أن من الإنصاف أن نقول إن السنوات الأخيرة شهدت تحولا كبيرا في تفكير نفس أولئك الاشتراكيين الذين أذاعوا هذه الدعوة، وكان الدافع الأول إلى هذا التحول ذلك العقم الفني الذي أدت إليه هذه النظريات؛ فقد أدى استهداف «الشعبية» غاية لكل عمل فني إلى تحول الفن إلى نوع من المخاطبة السطحية الساذجة للجماهير في صورة دعاية صريحة مضمونها سياسي وشكلها بعيد في أغلب الأحيان عن الفن الصحيح؛ لذلك اتجهت الدعوة في السنوات الأخيرة إلى تحقيق المزيد من التوازن بين مطلب التوجيه السياسي ومقتضيات الشكل الفني السليم، والتخلي تدريجا عن النظرة «الكمية» إلى الفن والأدب في سبيل الاعتراف بأهمية الكيف وقيمته.
والأمر الذي لا شك فيه أن واضعي مشروع الدستور الثقافي قد أفادوا من تلك التجربة التي مرت بها بلاد أخرى سعت من قبلنا إلى ربط الفن بالهدف الاجتماعي الذي تخطته الدولة نفسها، ولكنها تخبطت وتعثرت في البداية، فكان من الطبيعي أن نعمل نحن على تجنب تكرار هذا التخبط والتعثر في تجربتنا الخاصة، وأن نؤكد منذ البداية أن معيار الحكم على سلامة العمل الفني هو نوعه ومستواه لا مقدار انتشاره.
ومعنى ذلك أن دعوتنا إلى جودة العمل الفني والاهتمام بالكيف قبل الكم ليست ردا على الرجعيين الهدامين فحسب، بل هي أيضا رد على كثير من التقدميين من أصحاب النظريات غير الناضجة في الفن، ومن هنا لم يكن الرجعيون «وحدهم» هم الذين يدعون إلى تغليب الكم على الكيف في الأعمال الفنية، وكان لا بد لنا أن نحدد موقفنا في هذا الصدد بأنه يرتفع عن مستوى النظرة النفعية المادية التي تسود لدى الرجعيين من جهة ومستوى النظرة السطحية الدعائية التي تسود لدى بعض التقدميين من جهة أخرى. •••
وفي اعتقادي أن قضية الكم والكيف في الفن والأدب هي قضية تبلغ من التعقيد حدا يستحيل معه إصدار حكم عام بشأنها إلا إذا قمنا بتحديد دقيق للمجال الذي تنطبق عليه، ولما كان لكل عمل فني طرفان أساسيان على الأقل: أولهما خالق العمل الفني نفسه؛ أعني الفنان أو الأديب. وثانيهما متذوق ذلك العمل؛ أعني الجمهور الذي يوجه إليه العمل، فلا بد في رأيي من معالجة منفصلة لقضية الكم والكيف بالنسبة إلى الفنانين الخالقين من جهة، وبالنسبة إلى جماهير المتذوقين من جهة أخرى.
Неизвестная страница