Философские взгляды на кризис времени
آراء فلسفية في أزمة العصر
Жанры
وجانب من الكنيسة اكتفى - عند مواجهة مركبات النظام السياسي - بنظرة عاطفية لا تحتمل، فأعلن أن هذه المشكلات ما كانت لتظهر لو أن الناس تبادلوا فيما بينهم المحبة، وأصر على أن قانون المحبة سهل ممكن، في حين أن تجاربنا كلها تدل على أن المشكلة الحقيقية في وجودنا هي أننا ينبغي أن نتحاب ولكنا لا نفعل. وكيف نستطيع أن نقيم مجتمعا محتملا في حين أن الناس جميعا - وفيهم المسيحيون - يميلون إلى أن يستغل كل منهم الآخر؟ وحتى يومنا هذا نجد كثيرا من المسيحيين يأملون في بلاهة أن ينطق المجتمع المسيحي ذات يوم بكلمة خلقية يسيرة تنهي بالمحبة الصراع الأليم بين أفراد المجتمع الإنساني. وإن أشد رجال السياسة انتهازا للفرص - الذي يدرك الأمور المعقدة التي يواريها هذا الشعور العاطفي - هو برغم فساده أقرب إلى أن يدخل مملكة السماء قبل ذلك المنافق الذي يستطيع أن يتصور أنه بوسعنا أن نرتفع بأنفسنا فوق المتناقضات الخلقية المفجعة الكائنة في وجودنا بعمل يسير من أعمال الإرادة. (4)
وجانب من الكنيسة - لوعيه بهذه الأمور المحيرة - تأهب لوضع مشروعات مسهبة مفصلة للعدالة وللقانون لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية للإنسان تحت مستوى المحبة والشعور النبيل. ولكن هذا الجانب جر نفسه إلى وضع تشريع صارم لا ينطوي على سماحة الشعور، فهو لا يعرف أن كل قانون قد يكون الوسيلة إلى ارتكاب الإثم، وأن أحكام العدالة الصارمة - وبخاصة في الظروف السريعة التغير التي تلازم التطور التكنولوجي الحديث - أقرب إلى أن تعوق منها إلى أن تعين على تنفيذ العدالة الحقة. ومما ينبغي للمسيحية قطعا أن تسهم به في مشكلة العدالة السياسية هو أن تخضع كل أحكام العدالة لقانون المحبة، وتنهي بذلك هذا الجدل العقيم بين أتباع الفلسفة البراجمية (العملية) وأتباع مذهب الحق المشروع، وأن توجد الحرية والقدرة على المراوغة التي لا مناص منها لتحقيق درجة من التوافق المقبول بين الأفراد والشعوب في العلاقات الإنسانية الآخذة في التعقيد. إننا بحاجة إلى نظرة براجمية نحو كل نظام من نظم الملكية ونظم الحكم، فندرك أنه ليس من بين هذه النظم نظام يبلغ من التقديس الحد الذي تريد بعض القوانين المسيحية المزعومة أو القوانين الدنيوية أن تخلعه عليه، وأن كل هذه النظم عرضة للفساد، وأن إلغاءها هو كذلك عرضة للفساد. ولا يمكن أن تنحط هذه الحرية إلى حد الفوضى لو عرف الإنسان «أن كل شيء له، وأنه للمسيح، والمسيح لله».
2 (1-3) الحق المسيحي في عصرنا
لقد تحدثت حديثا سلبيا، وقلت إن الكنيسة المسيحية ينبغي أن تستنكر كل صورة من صور الكبرياء والغرور، سواء في الثقافة الدنيوية أو المسيحية، وأن تركز اهتمامها في خطايانا خشية أن نجعل المسيح حكما على غيرنا وليس حكما علينا. غير أن الشعور بالندم لا يكفي وحده، فهو جزء من شعور عام بالخلاص، وواجبنا من الناحية الإيجابية هو أن نقدم إنجيل الخلاص المسيحي للأمم كما نقدمه للأفراد. ونحن - طبقا لما نؤمن به - كثيرا ما نقع في الإثم وفي وهدة الموت؛ لأننا نحاول مستيئسين أن نحيا، وأن نحتفظ بكبريائنا، وأن نبقى على مكانتنا العالية. غير أنه بالإمكان أن نحيا حياة صادقة إذا نحن أنكرنا الحياة على ذواتنا، وإذا حد الإنسان من غروره بأن يأخذ بالحكم الإلهي الذي يقضي بأن الحياة تصلح حقا بالبركة الإلهية. وهذا الوعد بالحياة الجديدة موجه إلى الأفراد، ولكن من ذا الذي يستطيع أن ينكر ارتباطه كذلك بالأمم والدول، وبالمدنيات والثقافات بالرغم من أن هذه الصور الجماعية من الحياة ليس لها ما لروح الفرد من صفاء كامل، ولا يمكنها أن تتصل اتصالا مباشرا بالحكم الإلهي وبالبركة الإلهية؟
إن الموقف في الحياة الجماعية للإنسان في الوقت الحاضر يدل على أننا حطمنا حياتنا العامة عن طريق القوى الجديدة والحرية التي قدمتها المدنية التكنولوجية لنا ووضعتها بين أيدينا. وهذه الحياة المحطمة، التي تتبدى في بؤس العالم كله وقلقه، هي حكم تاريخي موضوعي علينا، وهي الموت الذي ترتب على حياة الغرور التي تحياها الأمم والشعوب، وهي بغير إيمان ليست إلا فناء، وبغير إيمان تولد الحزن والأسى للدنيا بأسرها، وهذا هو اليأس. وبغير إيمان يكون هذا الاضطراب دليلا على انعدام المعنى الذي يترتب على تدمير النظم المبسطة لمعنى الحياة التي تجعلنا وتجعل شعوبنا وثقافتنا مركزا لها. غير أن الموت - عن طريق الإيمان بالله الذي تكشف في ذلك الذي مات ثم رفع إلى السماء - قد يصبح أساسا لحياة جديدة، كما أن انعدام المعنى قد ينقلب إلى معنى، وكذلك الحكم قد يكون بركة ونعمة. وواجبنا أن نوسط الحكم الإلهي والبركة حتى تستطيع الشعوب والطبقات والدول والثقافات، وكذلك الأفراد، أن ترى السبب السماوي في جراحهم، وحتى تستطيع كذلك أن تدرك إمكان قيام حياة جديدة سليمة. وفي يوم من أيام الرضاء والأمن يجب على الكنيسة المسيحية أن تتوقع القضاء الذي لا بد أن يحل، وأن تعلن أن يوم القيامة سوف يكون ظلاما ليس به بصيص من نور، وفي يوم القضاء ووقوع القدر تكون رسالة الكتاب المقدس هي الأمل لأولئك الذين يعلنون الندم.
وفي الحق إن موقف البشرية يجعل الندم مطلوبا دائما؛ لأن الشر دائما في نمو وازدياد. غير أنه من الخطأ أن نبشر بهذه الدعوى عامة، كأن التاريخ لم تكن فيه فترات وعصور، وكأنه لم تحدث به وقائع خاصة معينة. ولن يكون من وراء تبشيرنا مغزى إذا اقتصرنا على حث الأفراد والشعوب على الاعتراف بالخطيئة الأولى التي تلوثنا جميعا، ولم نحثهم على الاعتراف بالخطايا الفردية التي ارتكبناها. وليس من أقل واجباتنا أن ننشر العطف والرحمة لكي نخفف وقع الألم على الإنسان الضعيف. وهلا ينبغي لنا أن ننذر الأمم الظافرة أنها تخطئ إذا هي ظنت أن انتصارها دليل على فضيلتها، حتى لا يكبلوا العالم بسلسلة جديدة من الشر بحبها للانتقام الذي ليس إلا الغضب لاسترداد حقها؟ ثم أليست الكلمة التي نوجهها إلى الأمم المهزومة من نوع آخر؛ إذ نذكرهم أن معركتهم هي أن يتبينوا بجلاء أنهم قد لاقوا على يدي بارئهم عقوبتهم على كل ما اقترفوا من إثم؟
وإن العقاب هو في الحقيقة من عند الله، حتى إن كان لا يتلاءم تماما مع الشر الذي أتوه. وهلا ينبغي لنا أن ننذر الأمم والطبقات القوية الآمنة ألا تثق ثقة عمياء في أهميتها، وأنها عندما تقول إنها ك «الملكة لا تعرف الحزن» يهبط عليها الحزن أكيدا في لحظة مباغتة؟ وهلا ينبغي لنا أن نذكر الضعاف والمخدوعين والمحتقرين أن الله ينتقم للقساوات التي يعانون منها، ولكنه إلى جانب ذلك لن يغفر لهم قسوة الحقد التي توغر صدورهم؟ وهلا ينبغي لنا أن نقول لطبقات المجتمع الغنية الآمنة إن ولاءهم في زهو لقوانين المجتمع وأنظمته التي تكفل لهم مزاياهم إنما يصطبغ بالمصلحة الشخصية؟ وهلا ينبغي لنا أن نقول للفقراء إن حلمهم بقيام مجتمع لا ملكية فيه تتوافر فيه العدالة الكاملة ينقلب إلى كابوس من الظلم جديد؛ لأنه يقوم على إدراك الخطيئة التي يرتكبها غيرهم فحسب، ولا يدرك شيئا عن الخطيئة التي يرتكبها الفقير عندما يزول عنه الفقر ويصبح من طبقة الحكام؟ إن الحياة تتحول إلى موت في كل مكان؛ لأنها محوطة بخداع النفس، ولأنها تحاول الفرار من الإله الحق بدلا من أن تعمل على لقائه. والكنيسة تعاني في كل مكان هذا الموت؛ لأنها تسمح بإعلان التفاخر القومي والهوى العنصري، كما تسمح بصبغ رسالتها بالمبالغة في تقدير الذات وحب النفس، حتى لقد بدا التدين في عصرنا للمشاهد المتشائم (بل ربما بدا أيضا للإله الحق) كأنه مجهود ضخم لاستجداء العلي القدير لكي نظفر منه بتأييد دعوانا بحكمه المقدس.
وإذا كنا نعني بدعوى أن الكنيسة ينبغي أن تكون للكنيسة شيئا غير انسحابها من الدنيا، أفلا تعني الدعوة إذن أنها بالصلاة والصيام خلصت نفسها على الأقل إلى حد ما من التحالف المحرج من هذه الطبقة أو تلك، أو مع هذا الجنس أو تلك الأمة، حتى تستطيع أن تنطق بكلمة الله وهي أكثر طهارة وأشد استقامة، وتوجهها إلى كل رجل وكل أمة، بل إلى كل جيل وفقا للحاجات الخاصة لكل فرد ولكل ساعة؟
إن الحياة الجديدة ممكنة لأولئك الذين يميتون ذواتهم القديمة، أمما كانوا أو أفرادا، في أي وقت وفي أي موقف، ولكن من الناحية الإيجابية هناك أيضا كلمات خاصة يخاطب بها العصر إلى جانب الكلمات الأزلية. إن الحياة الجديدة التي نحتاج إليها مجتمعين في عصرنا تتحقق بقيام مجتمع يتسع لأن يجعل اعتماد كل أمة في الدنيا مع غيرها في عصر تكنولوجي أمرا محتملا، وعدالة متزنة اتزانا دقيقا إلى حد يجعل القوى الديناميكية في مجتمع تكنولوجي مؤدية إلى عدالة محتملة لا مؤدية آنا إلى الفوضى التي لا تحتمل وآنا آخر إلى استبداد بغيض. ولكي نبلغ هذا الهدف يجب أن تتلاشى بعض معتقداتنا ليحل محلها قانون المحبة - وهو ليس بالأمر الهين على الفرد أو المجتمع - وأن نرفعه إلى مكانة عالية بحيث يصبح المعيار النهائي لكل مؤسسة أو بناء أو نظام للعدالة. وإلى أولئك الذين يرفعون الحرية إلى مكانة عالية يجب أن نقول إن الحرية بغير شعب متماسك ليست هي المحبة، وإنما هي تؤدي إلى أن يجعل الإنسان من نفسه الغاية القصوى. وإلى أولئك الذين يرفعون تماسك الشعب إلى مكانة عليا نقول إنه لم يوجد في التاريخ مثل هذا الشعب الذي يستحق كل هذا التقديس من الفرد، ما دام قوام الإنسان وبناؤه يحتمان عليه أن يجعل الله وحده غاية حياته. ويجب أن نصر في وجه أولئك الذين يقدسون الدولة على أن الدولة تميل دائما إلى أن تضع عظمتها في موقف المعارضة الثائرة ضد عظمة السماء. أما أولئك الذين يخشون اتساع الدولة من أجل تنظيم الحياة الاقتصادية الحديثة، فيجب أن نقول لهم إن مخاوفهم كثيرا ما لا تصدر عن الاهتمام بالعدالة، وإنما تصدر عن رغبة غيور في الاحتفاظ بنفوذهم. وليس من اليسير أن نقيم مجتمعا محتملا تحت الظروف الراهنة، ولا تمكن إقامة مثل هذا المجتمع بتاتا إلا إذا أدركنا أن كثيرا مما كنا نعده حقائق مطلقة ليس إلا أمرا نسبيا، وإلا إذا سعى الناس في كل مكان إلى فصل الغث من السمين، وميزوا بدقة بين مصالحهم وما يتطلبه منهم الرب والجار.
3 (1-4) العلاقة بين الديمقراطية والعقيدة الإنجيلية
Неизвестная страница