Философские взгляды на кризис времени
آراء فلسفية في أزمة العصر
Жанры
إن عصر العالم المسيحي الجديد - إذا حل - سيكون عصر التوفيق بين ما كان قد تفكك، عصر حضارة مسيحية «دنيوية»، عصرا تمارس فيه الأمور الدنيوية، والتفكير الفلسفي والعلمي، والمجتمع المدني، استقلالها الذاتي، وتدرك فيه - مع ذلك - الدور الملهب الإيحائي الذي تقوم فيه الأمور الروحانية، والعقيدة الدينية، والكنيسة، من مستواها الرفيع؛ عندئذ سوف تقوم فلسفة مسيحية للحياة مجتمعا مسيحيا حقا لا ظاهرا، مجتمعا تتوافر فيه حقوق الإنسان وكرامة الفرد، مجتمعا يقوم فيه بأداء واجب دنيوي مشترك، يدعو إلى الإنسانية وإلى التقدم، قوم ينتمون إلى أصول عنصرية مختلفة، وإلى مواريث روحانية متباينة.
وإذا تعمقت التحليل قلت إن الأزمنة الحديثة منذ نهاية العصور الوسطى - وهي لحظة أحس فيها المخلوق البشري وهو يتنبه لذاته بأنه مظلوم مسحوق في وحدته - أخذت تتطلع إلى استرداد كرامة المخلوق البشري. وقد بحثت هذه الأزمنة الحديثة عن رد اعتبار الإنسان في انفصاله عن الله، وكان ينبغي أن تبحث عنه في صلته بالله؛ فالمخلوق البشري يزعم لنفسه الحق في أن يحب، ولا يمكن أن يحب حبا حقيقيا مثمرا إلا في هذه الصلة بالله. ويجب أن يحترم هذا المخلوق لعلاقته بالله، ولأنه يتلقى كل شيء - وكرامته ذاتها - من الله. وبعدما زال الوهم الكبير في «الإنسانية المركزة في الإنسان»، وبعد التجربة القاسية في مناهضة الإنسانية في الوقت الحاضر، فإن ما يحتاج إليه العلم هو إنسانية جديدة، إنسانية «مدارها الدين»، أو إنسانية متكاملة تنظر إلى الإنسان في كل جلاله وكل ضعفه الطبيعي، وفي كيانه الناقص الذي يحل به الإله، وفي حقيقة الطبيعة الكاملة، وفي إثمه، وفي قداسته. مثل هذه الإنسانية تعترف بكل ما لا ينطبق على العقل في الإنسان، بقصد أن ترده إلى العقل، وتعترف بكل ما يتجاوز العقل، لكي تبث به الحياة في العقل، ولكي تهيئ الإنسان لكي يحل فيه القدس. إن العمل الأساسي لهذه الإنسانية الجديدة هو أن تجعل روح الإنجيل ووحيه يتخللان مؤسسات الحياة الدنيوية - وهو عمل يهدف إلى تقديس النظام الدنيوي.
و«إنسانية التجسيد» هذه تهتم بالجموع البشرية، وبحقهم في ظروف دنيوية جديرة بالإنسان وبالحياة الروحية، وبالحركة التي تسير بالعمل نحو مسئوليته الاجتماعية عن إبلاغ هذا العمل مرحلة الرشد، هذه الإنسانية تميل إلى أن تستبدل بالمدنية المادية الفردية ، وبالنظام الاقتصادي الذي يقوم على أساس وفرة المال، لا اقتصادا جماعيا، بل ديمقراطية مسيحية تعترف بالفرد. وهذا الواجب ينضم إلى الجهد الحاسم الذي يبذل اليوم لحماية الحرية من اعتداء حكم الاستبداد! وإلى عمل آخر مواز يستهدف إعادة البناء ولا يحتاج إلى حماسة أقل، وهو ينضم أيضا إلى يقظة تامة للضمير الديني. إن من أسوأ أمراض العالم الحديث ثنائيته، أو الفصل بين ما لله وما للدنيا، لقد ترك ما للدنيا أو ما يتعلق بالحياة الاجتماعية الاقتصادية السياسية لقانونه المادي الشهواني، بعيدا عن مقتضيات الكتاب المقدس؛ فكانت النتيجة أن العيش في هذه الحالة قد اشتدت استحالته، وفي الوقت ذاته أمست في هذا الصدد الأخلاق المسيحية - التي لم تتخلل فعلا الحياة الاجتماعية للناس - عالما من القواعد الرمزية والألفاظ، لا في حد ذاتها، ولا في الكنيسة وحدها، وإنما في العالم الدنيوي، وفي السلوك الاجتماعي العام. وهذا العالم من القواعد والألفاظ قد أضحى في الواقع خاضعا في السلوك العملي الاجتماعي للطاقات الحقيقية لهذا العالم الدنيوي ذاته الذي انفصل وجوديا عن المسيح.
والمدنية الحديثة - فوق هذا - التي تدفع اليوم الثمن غاليا للماضي، تبدو كأنها تندفع بالتناقض الذاتي واللزوميات العمياء التي عانت منها، نحو صيغ متباينة من البؤس والمادية المركزة. ولكي نرتفع فوق هذه اللزوميات العمياء نحتاج إلى إيقاظ الحرية وإيقاظ قواها الخلاقة، التي لا يكون الإنسان جديرا بها بفضل الدولة أو بفضل أي لون من ألوان التربية الحزبية، وإنما بفضل الحب الذي يثبت مركز حياته إلى الأبد فوق العالم وفوق التاريخ الدنيوي. وأود أن أشير خاصة إلى أن روح الوثنية العامة التي تخللت حضارتنا أدت إلى أن يضع الإنسان أمله في القوة وحدها وفي قدرة الكراهية، في حين أن المثل الأعلى السياسي للعدالة والصداقة المدنية - التي تحتاج إلى قوة سياسية وإعداد فني، ولكنها تستوحي المحبة - في نظر الإنسانية المتكاملة، هذا المثل الأعلى هو وحده الذي يستطيع أن يوجه عمل الإحياء الاجتماعي.
3 (1-4) الكاثوليكية والعقيدة الديمقراطية
فيما يتعلق بالديمقراطية التي ترد إليها الحياة والتي نتطلع إليها، أرى أن الحل الوحيد هو من النوع «المتعدد». يستطيع الناس الذين ينتمون إلى مذاهب وأصول فلسفية ودينية مختلفة جدا أن يتعاونوا في الواجب المشترك، ومن أجل الرفاهية المشتركة للمجتمع الدنيوي يستطيعون ذلك، بل ينبغي لهم ذلك، بشرط موافقتهم على صورة واحدة من صور المجتمع الذي يتألف من أفراد أحرار، وعلى ما لهذا المجتمع من حقوق أساسية؛ لأن مجتمع الأفراد الأحرار يتضمن ميثاقا ضروريا وحقوقا أساسية هي من صميم وجوده، ومن واجبه أن يدافع عنها وأن يعمل على تقدمها. ومن أخطاء التفاؤل بالفردية الاعتقاد بأن «الحق» في المجتمع الحر، الحق الذي يتعلق بأسس الحياة المدنية، كما يتعلق بالقرارات وطرائق السلوك التي تلائم الكرامة الإنسانية والحرية الإنسانية، الاعتقاد بأن هذا الحق يصدر تلقائيا عن التنازع بين القوى والآراء الفردية التي تفترض فيها الحصانة ضد أي اتجاه لا يطابق العقل أو ضغط يؤدي إلى التفكك. وموضع الخطأ هو تصور المجتمع الحر شبيها بحلقة الملاكمة التي يتوافر فيها «الحياد» التام، فيكون حلقة تلتقي فيها كل الآراء الممكنة عن المجتمع وقواعد الحياة الاجتماعية، وتتصارع في سبيل الفوز، دون أن تهتم السلطة السياسية بالقيام على رعاية أية ظروف مشتركة أو وحي عام؛ ومن ثم فإن المجتمع الديمقراطي - في مسلكه الملموس - لم تكن له «صورة ذهنية» خاصة به، والحرية - وهي منزوعة السلاح مشلولة - تعرضت لما قام به أعداؤها، الذين حاولوا بكل الوسائل أن يثيروا في الناس رغبة دنيئة في أن يتحرروا من الحرية.
وإذا أردنا أن نتغلب على الاتجاهات الاستبدادية والإخلاص لرسالتها، فلا بد أن تكون للديمقراطية المتجددة صورتها الذهنية عن الإنسان وعن المجتمع، وأن تكون لها فلسفتها، وعقيدتها، التي تمكنها من تربية الناس على الحرية، كما تمكنها من الدفاع عن نفسها ضد أولئك الذين يودون أن يستخدموا الحريات الديمقراطية في تحطيم الحرية والحقوق الإنسانية. ولا يستطيع أي مجتمع من المجتمعات أن يعيش دون وحي عام أساسي وإيمان عام أساسي.
والنقطة الهامة التي يجب التنبيه إليها هنا هي أن هذا الإيمان وهذا الوحي وهذه الفلسفة وهذه الصورة الذهنية عن الديمقراطية التي تحتاج إليها الديمقراطية، كل ذلك لا يتعلق في حد ذاته بناحية المذهب الديني والحياة الأبدية، وإنما يتعلق بالناحية الدنيوية أو العلمانية من الحياة فوق هذه الأرض، كما يتعلق بالثقافة والحضارة، بل إنها أمور ذات صبغة «عملية» أكثر منها ذات صبغة نظرية أو عقائدية، أقصد أنها تعالج المعتقدات العملية التي يستطيع العقل البشري أن يحاول تبريرها - حقا أو باطلا - من وجهات نظر فلسفية جد مغايرة ، بل ومتنازعة متصارعة. ويرجع ذلك على الأرجح إلى أنها تعتمد أساسا على مدركات بسيطة «طبيعية»، يكون القلب البشري قمينا بها بتقدم الضمير الخلقي؛ ومن ثم يمكن للأفراد الذين يعتنقون آراء دينية وميتافيزيقية مختلفة، بل ومتضاربة، أن يلتئموا، لا بفضل تماثل المذاهب، ولكن بفضل تجانس متشابه في المبادئ العملية، ليتجهوا نحو النتائج العملية بعينها، كما يستطيعون أن يشتركوا في نفس العقيدة الديمقراطية العملية، بشرط أن يتفقوا على تقديس الحق والعقل، والكرامة الإنسانية، والحرية، والمحبة الأخوية، والقيمة المطلقة للخير الخلقي، حتى إن كان هذا الاتفاق لأسباب جد مختلفة.
وهنا - إن أردنا أن نكون ناقدين في تفكيرنا ولا نخشى الألفاظ - ينبغي لنا أن ننبه إلى أنه حيثما تكن العقيدة - المقدسة أو البشرية - لا بد أن يكون هناك أيضا الزنادقة الذين يهددون وحدة المجتمع، الدينية أو المدنية. والزنديق في المجتمع «المقدس» هو الذي يخرج على الوحدة الدينية. أما في مجتمع الأفراد الأحرار الدنيوي، فالزنديق هو الذي يخرج على «المعتقدات والسلوك الديمقراطي العام»، هو الحاكم المستبد، هو الذي ينكر الحرية - حرية جاره - وكرامة الفرد الإنساني، والقوة المعنوية للقانون. ولا نريد أن نحكم على مثل هذا الرجل بالإحراق، أو بالإبعاد عن المدنية، أو بالحرمان من حماية القانون، أو بالحبس في المعسكرات. ولكن المجتمع الديمقراطي لا بد أن يحمي نفسه منه بإبعاده عن قيادته، عن طريق رأي عام قوي مستنير، بل وعن طريق تسليمه للعدالة حينما يعرض نشاطه أمن الدولة للخطر، وفوق هذا كله لا بد للمجتمع الديمقراطي أن يحمي نفسه منه ببث وتعزيز فلسفة للحياة، ومعتقدات فكرية، وعمل بناء، لا يجعل لنفوذه أثرا.
4 (1-5) لكي نخدم واجب السلام
Неизвестная страница