Философские взгляды на кризис времени
آراء فلسفية في أزمة العصر
Жанры
وبعد هذا كله، ماذا نستطيع أن نتعلم من الفلسفات الكبرى المعاصرة لهذا الوقت الحرج الذي يمر به تاريخ البشرية؟ وما الذي نرجوه ونأمل في تحقيقه؟ أعتقد أنه من المهم والمفيد لهذا الغرض أن نميز بين جانبين من جوانب أية فلسفة شافية لوقتنا هذا ؛ الجانب الأول هو الفلسفة الشخصية بمعناها المباشر الذي يتجه نحو علاقة الفلسفة بحياة الإنسان وسعادته، والجانب الثاني هو ذلك الاتجاه الأعم، السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، الذي يرى أننا نعيش أشخاصا في عالم يشغلنا بمشكلات ذات دلالة إنسانية عامة. ولست أقصد حينما أميز بين هذين الجانبين أنهما يعالجان لونين مختلفين من المشكلات، ولكن أود أن أؤكد أننا لا نتقدم كثيرا دون أن ندرك أن هناك فارقا واضحا بين الاتجاهين.
سوف يرى القارئ فيما نعرضه عليه في هذا الكتاب أن الرأي المشترك الذي يراه أولئك الذين اخترنا لهم بعض مأثورهم ينطوي على الدفاع عن قيم الحضارة، كما ينطوي على تحليل الظروف التي تنشأ فيها الحضارة، وتكاليفها وحدودها. الحضارة مغامرة خطرة يتعاون فيها الإنسان بذكائه، وموضع الخطر أنها مسألة إنسانية، بيد أن الإنسان يستطيع بذكائه وتعاونه أن يتغلب على هذا الخطر. والتعاون يحتم علينا النشاط المشترك، يحتم علينا الثقة وحسن النية، والتنظيم العملي الذي يؤدي إلى إنجاز العمل. ويسود هذا التعاون بين الناس في ظل ظروف إنسانية دون غيرها. أما الذكاء فيهتم بتقدير الوسائل والنتائج. وليست للتعاون صورة عضوية ثابتة، إنما هو حصيلة ثقافية لتضافر جميع الجهود البشرية. وليس الذكاء هو العقل المجرد، إنما هو تنظيم للمشاعر والعواطف والعقل جميعا. ولكي يؤتي ثماره لا بد أن يكون ضربا من ضروب النشاط التعاوني. وهو في جميع الحالات صفة من صفات الوعي الفردي.
إن تاريخ الإنسان يجعل التكنولوجيا حقيقة من أهم الحقائق في حياته، والتغير والتطور في التكنولوجيا يعنيان زيادة السيطرة على الطبيعة. وليس بوسع أهل الغرب، أو أولئك الذين لا يزالون يدافعون عن تقاليد الفكر الشرقي العتيقة، الذين يودون أن ينبذوا كل هذه الوسائل، ويطهروا أنفسهم بإنكارهم حتى الأشياء التي لها قيمة عملية، ليس بوسع أولئك أو هؤلاء أن يمدونا بفلسفة عملية مفيدة لمجتمع عالمي يتولد تدريجا عن هذه الجهود التكنولوجية المترابطة التي يبذلها الإنسان. وهذا جانب من جوانب أهمية نهوض البلدان المتخلفة - أعني قبول القوى التكنولوجية والجهود الروحية معا. وقد أدى قبول الوسائل الفنية العملية قبولا كليا إلى الإنتاج والقدرة الاقتصادية باعتبارها القيم التي تحل كل المشكلات الإنسانية ، في حين أن إنكار هذه الوسائل يؤدي إلى الفقر - فقر الجسد والعقل والروح.
ومن ناحية أخرى، ليس من الحق أن العلم الحديث يخلق الحاجة إلى عالم واحد بمعنى سياسي بحت، والحاجة إلى التوزيع الاقتصادي المتساوي. وليس من الحق في شيء أننا قد حللنا المشكلة الاقتصادية والمشكلة التكنولوجية، وإنما هي نظمنا الاجتماعية وقيمنا التي لا تزال تتحدانا. إنما الأزمة هي أزمة الحضارة، لا بسبب القنبلة الذرية وحدها، وإنما بسبب الصراع القائم بين مشكلات مجتمعنا على جميع المستويات - الشخصية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والروحية - ولأن هذه المشكلات جميعها لها دخل في إعادة البناء إعادة كاملة شاملة، أقول إن أزمة الحضارة الراهنة تعود إلى هذا الصراع بين المشكلات وإلى العلاقة بينها وبين إعادة البناء حتى إذا لم تكن هناك قنبلة ذرية. ولا نستطيع أن نحل المشكلة الاقتصادية على أساس وجود وفرة تظهر بمظهر القلة بسبب طرق التسويق وتسلط الدول الكبرى. ولا تستطيع الدول المتخلفة والشعوب غير البيضاء، وهي تكون ثلثي سكان المعمورية، أن تسد حاجاتها ببرامج المعونة التي تقدمها الدول المتقدمة أو بجهدها الذاتي؛ فإن الفجوة بين آمال هذه الدول ومواردها عميقة سحيقة. ولأسباب شبيهة بهذه لا نستطيع أن ننظم حكومة عالمية على أساس تنظيم الولايات المتحدة؛ ومن ثم فإن اشتراط نجاح مثل هذه الحكومة لمستقبل البشرية هو في الوقت الحاضر وهم من الأوهام.
القنبلة الذرية رمز لأزمة الحضارة، ولكنها لا تعني الموت أو العصر الذهبي للإنسان؛ لأننا إذا حملنا القنبلة هذا المعنى كنا بمثابة من يعزو إلى الرمز ما يرمز إليه. لقد حاول الإنسان - خلال تاريخه كله - أن يحقق إنسانيته بتطوير قدرات الفرد وقدرات المجتمع على السواء. واقتضى ذلك استخدام العقل، وتطبيقه على تطوير الآلات والتكنولوجيا وعلى النهوض بتنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية. ومن الحق أنه لم يكن هناك في تاريخ الإنسان من قبل تقدم تكنولوجي تكمن فيه كل هذه القدرة على تحطيم جانب كبير من المجتمع البشري، وهو الجانب الذي يعد نفسه العالم، ومن الحق أنه لم يسبق للإنسان في تاريخه أن أدرك فيه هذا العدد العديد من الرجال مصيرهم المشترك الذي يتطلب اتخاذ الوسائل لإنشاء نظم سياسية تسمح للناس في جميع أرجاء العالم أن يتابعوا ما يشغل أذهانهم من مختلف الاهتمامات. ومن الحق أن عددا كبيرا من الناس عندهم إحساس أرهف بوجود ثقافات متنوعة تقوم بينها الفوارق، وباتساع مدى نشاط الإنسان فوق الأرض؛ ولم تشمل الأزمات السابقة مثل هذه الرقعة الفسيحة من الأرض، وهذا العدد العديد من الناس، وهذه الثقافات المتنوعة، أو الشعور بهذا الدمار الشامل الذي يهدد العالم بأسره. إن المشكلات التي تثيرها أزمات الوقت الحاضر تتطلب الاعتراف بضرورة إصدار قرارات عامة شاملة. إننا لا نستطيع أن نتخلص من الماضي تماما، ويجب أن نعترف بالضغط الواقع علينا من ازدياد السكان في العالم، ومن التكنولوجيا الحديثة والدول العظمى. والفلسفة التي تنكر أي عامل من هذه العوامل لا يمكن أن تكون وافية أو شافية.
وفي معمعان الحرب الباردة وظروفها يستطيع كل فرد منا أن يحس زيادة المسئولية التي تقع على عاتقه، ونستطيع أن نحاول وضع النظم التي تدفع إلى الأمام تقدم العلوم والفنون والاتجاهات الخلقية. وما يوضحه لنا مفكرونا هو الاعتراف بالحاجة إلى حل للتوتر القائم بين الذكاء البشري - الذي يتمثل في العلم - والقيم البشرية - التي تتمثل في برامج التنظيم الاجتماعي والعقائد الأخلاقية. وعلى هذا المستوى نجد اتفاقا بين رادا كرشنا الذي يمثل الشرق المتصوف، وأينشتين الذي يمثل الغرب المادي. إن أحدهما يريد العلم لإثراء الحياة البشرية، والآخر يريد أن يسترشد العلم بالغايات البشرية، ولكن كليهما يريد الحياة الطيبة والمجتمع الطيب، وكلاهما يرى الإمكانيات العملية لخروج هذه الحياة من جوف هذا الوقت الحرج الذي نعيش فيه. أما رادا كرشنا فيرى الوسيلة في ضرورة الاعتراف بدور الشرق في أي مستقبل نتطلع إليه، كما يرى أن الشرق ليس بحاجة إلى وسائل الغرب العملية فحسب، ولكنه بحاجة كذلك إلى النظرة التي تجمع بين الغايات البشرية والوسائل العلمية. وأما أينشتين فيرى أن الاحتياجات العملية التي تنبثق من تقدم البحوث الذرية سوف تحطم البشرية إذا لم يتفق أبناؤها على أن العلم لا تكون له قيمة إلا إذا سار نحو الأهداف الإنسانية العادلة. وجميع الفلاسفة الآخرين يقفون موقفا وسطا بين هذين الرجلين، مبشرين بهذه العقيدة المشتركة، كل بطريقته الخاصة. (2) نحو الفرد
إن من أهم ما تتميز به فلسفات العصر الحاضر صبغتها الشخصية، بعدما اجتازت الفلسفة فترة كاد يهمل فيها العنصر الشخصي إهمالا تاما. وأعتقد أن كثيرا من رجال الفكر في الغرب قد انتهوا إلى عقيدتهم الراهنة بعد الإقلال من شأن الإيمان بالفرد وزيادة الاهتمام بالمبادئ الاجتماعية والاقتصادية البحت. وقد اجتذبت الماركسية الأنظار في الثلاثينيات من هذا القرن؛ لأنها ظهرت بمظهر المحاولة العلمية لتفسير السبب في أن قيام الأزمة لا بد منه على نطاق واسع، والسبب في أن الحروب والثورات والتدهور الاقتصادي والفاشستية وما إليها قد سادت التاريخ المعاصر. وزعمت الماركسية أنها ترشدنا إلى طريق الخلاص، وأنها تجعل الأرض موطنا محببا، وأنها من ناحية أخرى عقيدة تربط الغريب في هذا العالم بالدنيا التي يعيش فيها. والماركسية بهذا نوع من أنواع الولاء الشخصي أو الخلقي له تأثيره القوي؛ لأن المبدأ الذي تبشر به يقتضي أن يتنازل الإنسان عن ذاته لكي يجد نفسه تابعا مريدا في قضية تتجاوز حدود هذا العالم؛ ومن ثم فإن المنطق الماركسي يمدنا بخلق شخصي حينما يطلب إلينا أن ننكر شخصياتنا، باعتبارها ظاهرة برجوازية لا لزوم لها.
ولكن هذا المعبود قد فشل، ويعزى فشله إلى حد ما إلى الخطأ في تحليل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الحديث، كما يعزى أيضا إلى أنه لا يعترف بوجود الشخصية التي لا مندوحة عن وجودها لدى الفرد وفي الشئون الاجتماعية؛ فنحن كأفراد لسنا أجزاء من آلة اقتصادية، ولسنا ذرات في موجة عظمى. إنما نحن أفراد لنا أهدافنا التي نسير نحوها. نحن نختار ونقوم، واختيارنا وقيمنا معا تشكل المستقبل لنا.
لقد علمنا التاريخ وتحليل النفس وعلم الإنسان - كما علمتنا الخبرة الشخصية - أن هناك عوامل تؤدي إلى السعادة، كما أن هناك ظروفا تعترض سبيلها. والحياة تحت أكثر الظروف لها قيمتها عند كل فرد تقريبا. وتكاد الحياة تكون قيمة مجردة. وذلك هو ما تدعو إليه القواعد الدينية والخلقية كما تدعو إليه النظرية الديمقراطية - الحياة حق مقدس. والأشخاص كائنات بشرية، والكائنات البشرية، سواء في المجتمعات البدائية أو في البلاد المستعمرة المتخلفة، في الاتحاد السوفيتي أو في الولايات المتحدة، لها حاجات لا مناص من الاعتراف بضرورة إشباعها. والنقطة الأساسية في هذا هي أن هناك نواحي نشاط وخبرات مشروعة - إنسانية ومستحبة في آن واحد - وأن هذه النواحي لا ينبغي إنكارها أو اعتراضها لمجرد أنها أمور شديدة الحرج تجابه الإنسان الحديث. ولا ينكر ضرورة إشباع حاجات الإنسان وملذاته الميسورة إلا إنسان شاذ ما دامت هذه الحاجات والملذات سليمة معقولة مسايرة لمصلحة المجتمع.
ليس ثمة داع للتشاؤم، ولا بد من الإيمان بأن الحرب ليست من الضرورات التي لا مفر منها. ويجب علينا أن نأخذ الأمور بابتسامة السخرية وروح الفكاهة حتى نتغلب على ما يواجهنا من صعاب. (3) نحو الحرية
Неизвестная страница