Философские взгляды на кризис времени
آراء فلسفية في أزمة العصر
Жанры
يجب أن تكون الولايات المتحدة «مصنعا للحريات» تصدرها إلى الخارج - كما قال من قبل فيلسوفها السياسي ماديسون - يجب أن تكون التكنولوجيا هنا عاملا من عوامل تحقيق الحريات. إن ما حققته الولايات المتحدة لنفسها من استقلال وحرية يجب أن يكون مثالا لغيرها من الشعوب كما قال جيفرسون. إننا ندعو إلى تعضيد الإنسانية في نضالها لتحقيق كرامتها، وهي الفلسفة التي نرجو أن يسترشد بها القادة فيما يواجهون من أزمات. فهل يستجيب لهذه الفلسفة رجال الحكم والسياسة في العصر الحاضر؟ هل نستطيع أن نعيد الثقة بقيمة الإنسان وبقدراته العقلية؟ وهل الحرية وحياة التعقل من القيم التي ينبغي أن نعمل على تحقيقها؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل يمكن أن يتم ذلك في عصرنا؟ وهل تعلمنا من الأزمة الحاضرة درسا جديدا في الركون إلى العقل والعمل على تحرير الإنسان والاحتفاظ بكرامته؟ (5) دور الفلسفة في الأزمة الحاضرة
إن الأزمة التي نعانيها في الوقت الحاضر أزمة حقيقية محسوسة، ولا يمكن التغلب عليها بالتحذير منها أو بالتحذير من أخطارها. وما دام الأمر كذلك فإنا نتساءل: وما شأن الفلسفة بها؟ وغرضي أن أجيب هنا عن هذا السؤال. وإنما ينبغي لنا قبل الزعم بأن الفلسفة لها أية علاقة بالجو المضطرب الذي يسود العالم أن نفهم المعنى الذي تدل عليه الفلسفة.
ومن أسباب الشك في قيمة الفلسفة في وقت الأزمة هو تلك النظرة العامة التي ترى أن الفلسفة - على أحسن الفروض - شيء خاص ليست له البتة علاقة بمهام العيش. ومن سوء الحظ أن هذا الرأي لا يعتنقه رجل الشارع وحده، وإنما يعتنقه أيضا بعض الفلاسفة المحترفين في بريطانيا والولايات المتحدة، فهذا النفر لا يأبه إلا بطرق التحليل الفلسفي في سبيل توضيح أجزاء من العلم أو ما يجري به اللسان العادي، بل إنهم كثيرا ما يهتمون بصورة التعبير أكثر من اهتمامهم بما يودون أن ينتهوا إليه بتوضيحهم. وبنمو هذه الحركة وبالتساؤل عن طبيعة التحليل الفلسفي ذاته، اتجهت جهود هذه الفئة من الفلاسفة إلى تحليل «التحليل».
وهناك بطبيعة الحال آراء قديمة أخرى عن طبيعة الفلسفة؛ فالفلسفة عند جورج سانتيانا تستحق الدرس؛ لأنها عبارة عن الجهد الذي يبذل في سبيل الكشف عن الحقائق الثابتة التي تلقي الضوء على نشاط الإنسان، فهي لا تصنع من أجل موقف حرج ، وربما لم تكن لازمة في مثل هذه المواقف. ولكن ماركس - من ناحية أخرى - يعتقد أن هذا الرأي خيالي، بعيد كل البعد عن الأمور والناس في هذه الدنيا؛ فقد كان حرج العصر الذي عاش فيه مما يشغله، وحث على الثورة في الفلسفة لكي تهتم بأزمة العصر. ومما قال في ذلك: «إن الفلاسفة قد اكتفوا حتى الآن بتفسير العالم، وإنما المهم تغيير هذا العالم.» وبالرغم من أن رجال التحليل الفلسفي يعتقدون أن كلا الاتجاهين - التفسير والتغيير - خاطئ، فليس من شك في أن الاتجاهين لا يزالان يقتسمان إلى اليوم ذلك الجزء من عالم المعرفة الذي لم يأخذ بنظرية التحليل الفلسفي.
ثم إن هناك - إلى جانب ذلك - من يرى أن الفلسفة تعبير عن العقائد والتزامات الأفراد؛ فهي عزاء وسلوى. وزعيم هذا الاتجاه سقراط، رمز الإنسان المتفلسف في العالم الغربي، الذي رفض أن ينجو من الموت إذا كان ذلك على حساب تخليه عن الفلسفة التي كان يعيش بها ومن أجلها.
وربط «الفلسفة» في هذا الكتاب ب «أوقات الحرج» يرمي إلى الإشارة إلى رأي متكامل يقتضي النظر بعين الفاحص إلى قضايا لها أهميتها القصوى للإنسان الحديث. وهذه النظرة إلى الفلسفة تقترب من معناها اللغوي «حب الحكمة»، ومن أهميتها التاريخية باعتبارها المجال الحر للعقل البشري. وقد ظهر الفيلسوف بهذا المعنى بادئ الأمر في تاريخ الغرب منذ نحو 2500 عام في اليونان حينما ثار الإنسان على التفكير الأسطوري القديم باجترائه على التفكير المتحرر المستقل في أي وجه من وجوه التجربة البشرية؛ ومن ثم فإن كل تواريخ الفلسفة الغربية تبدأ بطاليس وتأملات مدرسة ميليزيا في الكون. هنا نجد الدراسة الكونية تحل محل الأساطير، ونرى الأفراد المفكرين يحتلون مكانة الكهنوت، والبحث العقلي يأخذ مكانة الطقوس المعقدة. وما إن بدأ هذا النوع من أنواع التفكير، حتى سار شوطا بعيدا ولم يقف عند حد.
وإذا كانت الفلسفة قد بدأت بالتعجب في خلق الكون، فقد بلغت شأوا آخر عندما اتجهت نحو البحث عن معرفة الإنسان بنفسه الذي نادى به سقراط. كانت رسالته الاهتمام بالنفس ، حتى لا يرضى الإنسان عن جهله أو يقنع بحاله؛ لأن الحياة التي لا تفحص ، والحياة التي لا تنقد، ليست جديرة بالإنسان. وبحث الشباب الأثيني على هذا اللون من البحث الناقد المستقل شجع سقراط في الواقع على الثورة على الخضوع الاجتماعي لسلطان أصحاب النفوذ وقوة العادات والتقاليد؛ مما هدد حياته بالخطر، وحدا بحكام أثينا أن يطلبوا إليه أن يكف عن نشر هذه التعاليم، وانتهى الأمر بمحاكمته وإعدامه. استمع إليه وهو في محنته يقول: «لن أتخلى عن التفلسف، وعن حثكم عليه، وتوضيح رأيي لكل من أقابل، قائلا له ما ألفت أن أقول دائما: سيدي، إنك أثيني، وإنك مواطن في المدينة العظمى التي اشتهرت بحكمتها وقوتها، ألا تخجل من اهتمامك بمالك وبإنماء ثروتك، وبسمعتك، وبمكانتك، بدلا من اهتمامك بمعرفة الخير والحق وكيف تسمو بروحك؟ وإذا رد علي إنسان بقوله إنه لا يهتم بروحه، فلن أخلي سبيله في الحال وأدعه ينصرف، بل لا بد أن أسأله وأن أحقق معه لكي أعارض رأيه؛ فإن اعتقدت أنه بغير فضيلة - وإنما يدعيها بلسانه - أنبته على الحط من قدر أسمى ما له قيمة، والرفع من شأن ما ليست له قيمة، سأفعل ذلك مع كل من ألاقي من الناس، شيخا كان أو شابا، غريبا كان أو مواطنا، وسأفعل ذلك خاصة معكم أيها المواطنون الأثينيون لما بيني وبينكم من صلة الرحم، وأرجو أن تفهموا أن ذلك هو ما أمرني الله به، وأحسب أنكم لم تنعموا بخير أعظم من هذا الواجب الذي أؤديه لوجه الله؛ لأن كل ما أعمل هو أن أتجول وأقنع الشيوخ والشباب منكم بألا تعطوا أبدانكم وأموالكم من العناية مثلما تعطون لكمال أرواحكم.»
وليس من العسير بعد هذا أن نرى لماذا يعد سقراط أحد أبطال البشرية في مجال الفكر؛ فهو قديس دنيوي عاش ومات من أجل إيمانه بالإنسان وبسيادة العقل البشري.
وفي هذه النشأة وهذا التطور لفلسفة الغرب، نستطيع أن نرى ثلاثة عناصر ثابتة في التقليد الفلسفي من عهد أفلاطون وأرسطو حتى هوايتهد وديوي؛ مما يساعدنا على أن نتبين الدور الذي تلعبه الفلسفة؛ فالفلسفة أولا تقتضي فحص العقائد فحصا واعيا، ولكل منا عقائده، وبفحص هذه العقائد نزداد نضجا، ونمسي أشد قدرة على تقدير قيمة ما نعتقد فيه ومدى تأثيره حتى نبيت أكثر وعيا به وبما يترتب عليه. والعقل - باعتباره راوية لما نعتقد فيه - ضرب من ضروب النشاط الإنساني الذي ليس له عنه غنى. والتفكير - في الفلسفة - ينتظم بالعقل وبالخبرة على السواء؛ العقل للتحكم في علاقة الفكرة بغيرها، والخبرة لتوجيه ما يمكن أن يسلم به، أو يعد من الأمور الثابتة في مجرى البحث. ويحاول العقل أن يخضع لمعاييره في المعرفة والمنطق، دون الخضوع لأية سلطة خارجة عنه؛ لأن مجرد الاعتراف بهذه السلطة يعني الاختيار الشخصي، ولا بد له من علة. هذا العنصر من عناصر البحث الفلسفي - أعني فحص العقائد - يعلل لنا شدة الاهتمام بالطريقة، وبالمنطق، وبنظرية المعرفة.
والعنصر الثاني من عناصر الفلسفة بمعناها القديم هو التوفيق بين العقائد التي ثبتت بالنقد قيمتها. وهنا يشتد الاهتمام بالتعميم دون التخصيص، بالنظرة الشاملة بالمفكر الذي يرى المعرفة كلها والحوادث جميعا لا كمجالات خاصة، أو كمجموعة من الأشياء التي ائتلفت عرضا وبغير نسق، وإنما يراها موضوعا للبحث يستخدم فيه المرء قدراته على التفكير. ولا يقتضي ذلك بناء نظام فلسفي مغلق، فذلك ضرب من المحال. وهناك فرق بين التوفيق - أو التعميم - وبين الجمود في المعرفة الإنسانية والسلوك الإنساني، بين أن يسير المرء على نظام منطقي وأن يتشبث بنظام معين، بين النظرة التي توحد بين الأشتات ومذهب الوحدة. ومن خير من يمثل هذا الاتجاه في الفلسفة أرسطو، وأكويناس، واسبينوزا، وكانت، وهيجل.
Неизвестная страница